قال النعم ميارة، رئيس مجلس المستشارين، إن الرغبة في الارتقاء بتجربة الجهوية "تجعلنا نضعها موضوع مساءلة، وتفكير وتأمل وتداول".
جاء ذلك خلال كلمة لميارة بندوة "الجهوية المتقدمة ورهانات التنمية الترابية المندمجة: جهة الداخلة وادي-الذهب نموذجا"، المنعقدة يوم الخميس 26 يناير 2023، بمقر جهة الداخلة-وادي الذهب.
وأضاف ميارة أنه، بالمقابل، "يجب ألا يغيب عن أذهاننا أن أول تجربة للمجالس الجهوية تعود فقط إلى ثماني سنوات خلت، وأن الإمكانات المادية والتشريعية وتلك المتعلقة بتوفير بيروقراطية محلية لم توضع منذ البداية".
يضاف إلى ذلك، وفق المتحدث، "أن ممارسة المجالس الجهوية لهذه التجربة وتملكها لم يكن بالمعطيات ذاتها، فهناك مجالس وفر لها انسجام الأغلبية شرطا موضوعيا للانطلاق وللفعل، وأخرى عطل فيها غياب الأغلبية انطلاق عملها، وهناك مجالس سمحت لها جاذبية مجالها باستقطاب الرساميل والمشاريع المنتجة، وأخرى افتقرت إلى ذلك ولم يتم الإحساس بهذه النقلة التنظيمية الكبيرة".
واعتبر ميارة أنه، إذا كانت السنوات الأولى للتجربة تدور حول معضلات التمويل، وتتمة البناء القانوني، وتعثرات البدايات، والبرامج التنموية ودور الخبرة التكنقراطية في إعدادها، وعن وضع الأنظمة الداخلية للمجالس كآليات للتدبير الداخلي، "فإن المرحلة الحالية تقتضي تقاسم التجارب، والاهتمام بمعرفة لماذا تم تسجيل النجاحات في منطقة، ولماذا كان الإخفاق والتعثر في مناطق أخرى، وكيف يمكن لنا أن نتقاسم أسباب النجاح ونتجنب مسببات التعثر؟ وكيف يمكن لهذا الحوار الداخلي بين المجالس، أن يغني التجارب والممارسات الفضلى، وأن يكون باعثا للاستلهام، ودافعا للتجديد؟".
وشدد رئيس مجلس المستشارين على أن تنظيم الندوة بحاضرة وادي الذهب، يحمل دلالات رمزية كبيرة، موردا أن هذه الرمزية مقرونة أيضا بمعطيات موضوعية عديدة، "فجهة وادي الذهب، هي جهة واعدة، بإمكانات اقتصادية وتنموية هائلة ومتعددة، فضلا عن موقع جغرافي، يجعل هذا المجال بوابتنا الترابية والبحرية نحو امتدادنا الأفريقي، هذا الامتداد الذي استرجع كل زخمه بالقرار التاريخي للملك محمد السادس بعودة بلادنا إلى مكانها الطبيعي ضمن العائلة المؤسسية الإفريقية".
فجهة الداخلة-وادي الذهب، يضيف ميارة، "أصبحت قبلة لكل الاستثمارات الباحثة عن الفرص الاقتصادية، في سياق كوني موسوم بالأزمة، كما أنها تُقدم عرضا اقتصاديا غير محصور في قطاع دون آخر، فالثروات السمكية توفر المادة الأولية للصناعة الغذائية، والمخزون المائي، يتيح إمكانية نشوء قطاع فلاحي، والموقع الجغرافي يضفي جاذبية على المجال لإنعاش سياحة الصحراء والبحر، دون أن ننسى تنامي قطاع الخدمات، المرتبط تطوره بتطور القطاعات الإنتاجية الأساسي".
وأضاف أن هذه المقومات، هي موضوع تدبير جهوي، لكن أيضا بأفق وطني كبير، "فهذه الجهة مؤطرة، أيضا، بمرجعية النموذج التنموي الجديد لأقاليمنا الجنوبية، وهو ما يُلقي على مجلسها تحديات إضافية، برهانات تتجاوز المحلي والجهوي".
فهذه الجهة كما نخبتها "تُسوق اليوم للترافع على نجاح خيار التنمية، وعلى وجود إرادة سياسية لتجريب نمط جديد من التدبير يعطي للساكنة المحلية فرصة إدارة مجالها عبر قواعد الديمقراطية والانتخاب، كما أن الجهوية، بمنحدرها الديمقراطي، تعطي اليوم للقائمين عليها شرعية الحديث باسم الساكنة، باسم مطالبها، باسم اختياراتها، ضدا على متحدثين باسم شرعية متوهمة لا سند لها" يضيف ميارة في كلمته.
وخلص ميارة إلى الجهوية، بما تعينه من العودة إلى المحلي، فإن هذا المحلي ليس فقط موارد وإمكانات بل هو أيضا الإنسان، لسانه، تقاليده، موروثه، وثقافته، "فلا غرابة أن ينتبه دستور المملكة إلى أهمية هذا البعد، فحفظت ديباجته للبعد الحساني الصحراوي مكانته، كمكون من مكونات الهوية الوطنية الموحدة المنصهرة، وأنشأ فصله الخامس التزاما من خلال عمل "الدولة على صيانة الحسانية، باعتبارها جزءا لا يتجزأ من الهوية الثقافية المغربية الموحدة"، وهو ما يستدعي عملا كبيرا للوفاء بهذه المضامين، من خلال التعريف بهذه الثقافة ورموزها، وتعريف النشء بها، وجعلها واجهة من واجهات التعريف بالمجال وخصوصياته".