لا تحتاج الغابة سوى لعود ثقاب واحد لتحترق. ولا تحتاج العلاقات بين الشعوب، في زمن مواقع التواصل، إلا لتعليق متهور كي تشتعل نار الكراهية والحقد.
لا أحد يذكر متى ولا كيف، لكن هذا حدث فعلا بين المغاربة والجزائريين، وتحول الأمر إلى تنابز وتبادل للاتهامات والسخرية، ثم انتقل إلى مرحلة التشفي.
وزيارة بسيطة لمنصتي فيسبوك وتويتر تؤكد لك فعلا أن الصراع أصبح هو السائد، ولم يعد أحد يتذكر أن المغربي والجزائري كانوا – يوما ما – "خاوا خاوا".
بل إن هذا الشعار أصبح مرفوضا على هذه المواقع، ولو جرّب أحدهم أن يذكر به يتصدى له المئات ويذكرونه بما يقوله الآخرون.. وهكذا.
وشئنا أم أبينا، فإن للقيادة الجزائرية الحالية دور كبير جدا في هذه "الفتنة" بين الشعبين، فهي التي تأبى أية محاولة للتقارب أو الصلح، وتتعامل مع المغرب في إعلامها كعدو حقيقي وليس كجار.
وهذا، كالعادة، ليس كلاماً مرسلاً للاستهلاك فقط، بل هي وقائع واضحة جدا، فالتلفزيون الجزائري هو الذي أقال مدير القناة الرسمية لمجرد حديث القناة عن فوز المغرب على البرتغال في مونديال قطر، وهو الذي يبذل جهدا واضحا كي لا يذكر اسم المغرب أصلا في أي وسيلة إعلامية، في حالة غريبة جدا في تاريخ الإعلام.
في المغرب، لا يحدث هذا أبدا، وكل وسائل الإعلام تتناول أخبار الجزائر (الرياضية خصوصا) بشكل عادي، دون أيّ تحسس.
على مستوى قيادات الدولتين، يكفي أن نتذكر ما قاله الملك محمد السادس في خطاب العرش الماضي "أهيب بالمغاربة، لمواصلة التحلي بقيم الأخوة والتضامن، وحسن الجوار، التي تربطنا بأشقائنا الجزائريين، الذين نؤكد لهم بأنهم سيجدون دائما، المغرب والمغاربة إلى جانبهم، في كل الظروف والأحوال".
دعوة مباشرة وواضحة وصريحة من أعلى هرم في الدولة المغربية لا تحتاج إلى أي تأويل.
بالمقابل، لا تجد أبدا هذا النوع من الخطاب لدى الرئاسة الجزائرية التي ترفض أي محاولة للتقارب، بل وحتى للوساطة !
فقد صرح الرئيس عبد المجيد تبون، في حوار مع جريدة "لوفيغارو" الفرنسية، أن الوساطة بين بلاده والمغرب "غير ممكنة"، وأن قطع العلاقات مع الرباط كان بديلا عن الحرب !
آخر تعنت كان هو عندما رفضت الجزائر أن ينتقل المنتخب المغربي عبر رحلة جوية مباشرة إلى الجزائر للمشاركة في الشان، ولو أننا عكسنا الأمر، فمعروف جدا أن المغرب ما كان ليرفض شيئا كهذا.
انضاف لكل هذا، بعض الإعلاميين الذين كان ينتظر منهم الكثير في وأد هذه الفتنة، لكن للأسف أخذتهم العزة بالإثم، وكالوا للمغرب والمغاربة كل أنواع القدح والذم، انتصاراً للعصبية وإرضاء للعسكر لا أكثر.
أخيرا، يعرف المغاربة والجزائريون المغتربون في دول العالم، أن المغربي ظل دائما ظهراً لأخيه الجزائري، والعكس صحيح، لكن الآلة الإعلامية ومواقع التواصل توشك على تغيير هذه المعادلة الآن ما لم يتدخل المزيد من العقلاء.