يبدو أن تلفيق تُهم الاغتصاب ليس وليدَ اليوم في فرنسا، وأن المسألة تأخذ حقا أبعاداً أخرى، لعلّ أهمها التساهل مع المدّعيات، وسهولة إدانة المتهمين.
ومن غريب الصدف، أن تُكال الكثير من هذه التهم لمغاربة، أو فرنسيين من أصول مغربية، والذين لا ينجون في الغالب من الإدانة، إلا في حالات استثنائية، تعدّ حالة فريد الحيري (41 عاما) واحدةً منها.
ففي دجنبر من سنة 2022 اتخذت محكمة النقض بفرنسا قراراً تاريخيا، يقضي بتبرئة فريد الحيري، الفرنسي ذي الأصول المغربية، من تهمة اغتصاب قاصر، بعد 24 عاماً من إدانته.
وجاء هذا القرار بعد 15 عاماً من الإدانة، إثر اعتراف الشابة التي اتهمته، في خطاب أرسلته إلى المدعي العام في مدينة "دواي" الفرنسية، بأنها كذبت لحماية شقيقها، وهو الجاني الحقيقي !
جولي، التي كانت تبلغ من العمر 14 عامًا سنة 1998، حين اتهمت فريد، كانت قد قالت حينها أن "ثلاثة أو أربعة عرب" اعتدوا عليها جنسيًا.
وبحسب روايتها حينها، فإن أحدهم اعتدى عليها مرة أخرى بعد بضعة أشهر واغتصبها ويتعلق الأمر بفريد الحيري الذي كان يبلغ من العمر 17 سنة آنذاك.
وفي سنة 2003 قضت المحكمة بسجن فريد خمس سنوات، منها أربع سنوات وشهرين مع وقف التنفيذ، إضافة إلى تغريم والديه 17000 يورو كتعويض للضحية.
لكن، في 23 أكتوبر بالضبط من 2017، وبعد أن أجرت ما وصف بأنه "علاج نفسي طويل"، أرسلت جولي خطابًا إلى المدعي العام في "دواي" تعترف فيه أنها كذبت.
وكتبت جولي ما يلي "السيد فريد غير مذنب ولم يرتكب قط أعمال اعتداء جنسي أو اغتصاب على شخصي. أريد اليوم أن أعلن الحقيقة. أنا مدركة لخطورة أفعالي وأعتذر للمحكمة كما أعتذر للسيد فريد وعائلته وأقاربه عن هذه الاتهامات الباطلة".
واعترفت جولي أيضا أنها كانت ضحية سِفاح القربى المتكرر من قبل شقيقها الأكبر ووجدت نفسها عالقة بين حماية شقيقها ورغبتها في إلقاء اللوم على شخص ما.
تقول جولي في رسالتها للمدعي العام "أشعر بالخجل والذنب تجاه فريد. لم يكن يستحق هذا. لقد استغرق الأمر سنوات عديدة للخروج من هذا الإنكار. سأتحمل عواقب أفعالي. أنا تحت تصرفكم"، كما قدمت جولي شكاية ضد أخيها.
بعد ذلك، كان لابد من الانتظار لمدة عامين، قبل سماع صوت المرأة في مركز الشرطة، وثلاث سنوات أخرى أمام محكمة المراجعة للنظر في ملف المحكوم عليه، ثم أخيرا الحكم النهائي في أواخر 2022 بتبرئة فريد بشكل كلي.
يقول المتهم البريء فريد الحري بعد تبرئته "أشعر بالارتياح لأن الحقيقة ظهرت، لكن لا شيء سيمحو أربعة وعشرين عامًا من المعاناة التي دمرتني وعائلتي".
وأضاف "لقد قضيت عامًا في السجن، لكن 23 عامًا من الحبس العقلي هي أصعب شيء. ستبقى عالقة في ذهني مدى الحياة".
من جانبه، أشاد محاميه فرانك بيرتون بالحكم واصفا إياه بأنه "تتويج عركة رائعة من أجل البراءة" مضيفا "تقديس الملكلمات لا يكفي دائما لتحقيق العدالة".
ووفق قرار القاضي، سيتم حذف اسم فريد من جميع ملفات الشرطة وسيتم نشر حكم المراجعة في الجريدة الرسمية، إضافة إلى 5 صحف يومية ويعرض في بلدة Hazebrouck.