استمعت إلى أحد الخبراء الجزائريين وهو يتحدث لإحدى القنوات الإعلامية عن مبادرات رئيس بلده تجاه تونس وليبيا قائلا إن "الجزائر تعمل على ترتيب البيت المغاربي".
والغريب أن الخبير المذكور يعلم بأن ما يعرقل الاتحاد المغاربي هو مشكلة الصحراء بين المغرب والجزائر أساسا، وأن البلد الذي ينبغي للجزائر أن تبدأ به لترتيب البيت المذكور قبل أي بلد آخر هو جارتها الغربية التي تشترك معها في كل شيء.
إن مشكلة الجزائر في تحركاتها الأخيرة، والتي لا يمكن أن تكلل بالنجاح، هو عدم قبولها بتراجع دورها الاستراتيجي في المنطقة لصالح قوى أخرى صاعدة، ولهذا فعلاوة على عدم قدرتها على التأثير لا في الوضع الليبي الذي تتدخل فيه قوى دولية لا طاقة للجزائر بها، أو في الوضع التونسي الذي هو من التعقيد الداخلي بحيث يصعب التأثير فيه من جيرانه، فقد أضرت الجزائر بعلاقتها بإسبانيا التي انحازت للمغرب في قضية الصحراء، وعندما أرادت ممارسة ضغطها على الجارة الشمالية (كما فعل المغرب الذي انتزع مكاسب حقيقية) مهددة بتجميد "معاهدة الصداقة وحسن الجوار والتعاون" التي أبرمت عام 2002 مع إسبانيا، ووجهت بتقريع وتوبيخ قوي من الاتحاد الأوروبي يوم الجمعة 10 يونيو الماضي، حيث حذرها الاتحاد من عواقب القيود التجارية التي فرضتها على إسبانيا، بل وهددها بإجراءات انتقامية، وتجدر الإشارة إلى أن انتفاضة الجزائر جاءت بعد فشل محاولاتها لتغيير الموقف الإسباني من الصحراء حين عبر رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز عن عدم إمكان تراجع بلاده عن موقف دعم الاقتراح المغربي بشأن الحكم الذاتي.
لقد جاء رد الجزائر على الاتحاد الأوروبي مهادنا مما يبرز ضعف موقفها من خلال ما عبرت عنه من تراجع ونفي تام لأية قيود تجارية فرضتها على إسبانيا، وهو مؤشر واضح للارتباك الذي يدل على عدم إمكان لعب الجزائر لأي دور استراتيجي من النوع الذي تطمح إليه، فإذا كانت قد فشلت في ترتيب بيتها الداخلي فكيف لها أن تنجح في "ترتيب البيت المغاربي"، وهو ما يحتاج إلى تغيير جذري في سياسة الجزائر تجاه المغرب لإنهاء الصراع العبثي وإقامة علاقات التبادل الودي وحسن الجوار مع الجميع.