هو مشروع ظل يرواح مكانه منذ انطلاقه كفكرة في السبعينات من القرن الماضي، وفي كل مرة كان يقترب من التحقق تظهر معيقات وأسباب تمنعه، ازدادت أكثر مع ظاهرة الهجرة غير النظامية أوائل التسعينات. لكن، حتى مع الظاهرة لم تكفّ الفكرة عن الإطلالة برأسها بين الفينة والأخرى، دون أن تصل إلى مرحلة التنفيذ أبداً.
سواء كان عبارة عن نفق أو جسر أو غير ذلك من وسائل الربط، فقد طرح مشروع الربط البري بين أوروبا وإفريقيا أكثر من مرة، كان أولها خلال زيارة العاهل الإسباني خوان كارلوس للمغرب في 16 يونيو 1979، ولقائه بالملك الراحل الحسن الثاني.
في ذلك التاريخ، اتفق الملكان على إعداد دراسة مشتركة للمشروع، بل وقعا اتفاقية أسست على إثرها شركتان مغربية وإسبانية لإنجاز تلك الدراسات.
عشر سنوات بعد ذلك، وفي سنة 1989 تم توقيع اتفاقية ثانية بين البلدين منحت دفعة جديدة لتطوير مشروع الربط البري، والشروع في إجراء الدراسات الجيولوجية والجيوتقنية، من خلال إنجاز آبار بحثية عميقة في نقط مختلفة من قعر المضيق.
وخلال تلك الفترة، تم طرح عدة حلول تقنية، كان من بينها الربط من خلال جسر معلق على دعامات ثابتة أو عائمة، أو من خلال نفق مغمور في قاع البحر، لكن طبيعة التيارات المائية والهوائية في المضيق، ومسألة كون المنطقة ملتقى للصفائح التيكتونية الإفريقية بالأورولأسيوية، تطلبت تفكيرا طويلا يبدو أنه أجل المشروع مرة أخرى.
بعد حوالي عقدين، رفضت المفوضية الأوروبية سنة 2008 طلبا بإدراجه في سياسة شبكة النقل الأوروبية، بدعوى المخاطر الجيوستراتيجية والأمنية للربط البري بين القارتين، وهو ما كان بمثابة ضربة قاصمة للفكرة.
مؤخرا، شكل حدث خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي نقطة تحول جديدة في الفكرة، حيث عبرت لندن جديا عن رغبتها في ربط قاري مع إفريقيا، للاستفادة اقتصاديا من التبادل التجاري الأوروبي-الإفريقي، بعد فكّ ارتباطها مع السوق الأوروبية المشتركة، وهو ما لم يرق المسؤولين في مدريد التي اعتبرت أن دخول المملكة المتحدة على الخط تهديدا حقيقيا لنفوذها الجيوسياسي والاقتصادي في المنطقة.
وكآخر تطور في حكاية الربط، تم في السنة الماضية عقد اجتماعات رفيعة المستوى، بحضور وزير التجهيز والنقل المغربي السابق عبد القادر عمارة ووزير النقل الإسباني خوسيه لويس أوبالوس، لتدارس الموضوع، حيث خلص الطرفان إلى إدراج الموضوع مرة أخرى في اجتماع حكومي دولي مختلَط، قبل أن تقطع الأزمة الدبلوماسية بين الرباط ومدريد العلاقات بين المملكتين، ويتم تأجيله كما في كل مرة.
والآن بعد عودة التقارب بين المغرب وإسبانيا، عاد المشروع يطل برأسه على استحياء من جديد، حيث طرحت جريدة "لارثون" الإسبانية في تقرير لها مؤخرا السؤال التالي "هل الخطوة التي اتخذتها إسبانيا لتحسين علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب مفتاح الدفع النهائي الذي يحتاج إليه المشروع لبناء خط رابط ثابت عبر مضيق جبل طارق؟".
الصحيفة أفادت أنه، خلال الزيارة الأخيرة لرئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز للرباط في أبريل الماضي، ولقائه الملك محمد السادس، "أشاد عديد من وسائل الإعلام المغربية بالاجتماع وإمكانية استئناف المشاريع القديمة المعلقة بين الملكيتين، بما في ذلك بناء نفق للسكك الحديدية يربط ضفتي المضيق".
وأضافت الوسيلة الإعلامية الإسبانية أن المشروع "لم يدفن"، رغم عدم ذكره في الأشهر الأخيرة، مؤكدة في الآن ذاته أن المشروع "ليس مطروحاً حتى الآن في جدول أعمال القمة الثنائية المرتقَب عقدها قبل نهاية العام الحالي".
ورغم ما يقال من نكات وطرائف حول أن المشروع سيكون وسيلة سهلة للهجرة غير النظامية نحو القارة العجوز إلا أن هذه تبقى مجرد تخوّفات لا أساس لها على أرض الواقع، فالمعبر لن يكون طريقا مفتوحا نحو الشمال، بل نقطة حدودية في مسافة محدودة تحظى بأعلى درجات المراقبة.