يدخل الشرطي الشرير إلى المتهم ويشبعه تهديدات وكلاما قاسيا، دون إظهار أي رغبة في الاستماع أو التفاوض، ثم يصفق الباب وراءه المتهمَ يضرب أخماسا في أسداس.
بعد هذا يأتي دور الشرطي الطيب، الذي يدخل بكل هدوء ويظهر تعاطفا كليا مع المتهم، ويشير إلى زميله بعبارة "ماتديش عليه".
في الأخير، يتحقق ما يريده الاثنان معاً، فيستسلم المتهم ويقر بكل ما فعله جملةَ وتفصيلا.
هي واحدة من المناورات في فن التفاوض، أو فن الإجبار أحيانا، لكن بطريقة ذكية، ولعل ما صرح به عزيز أخنوش رئيس الحكومة (الشرطي الطيب)، ووزير العدل عبد اللطيف وهبي (الشرطي الشرير)، بخصوص مشكلة النظام الأساسي للتعليم، خلال اجتماع الأغلبية الحكومية، يدخل في هذا الباب.
فأخنوش، من جانبه، بدا لطيفا هادئا، ووعد الأساتذة بمناقشة المشكلة بشكل كامل "على ضمانته"، شرط أن يعودوا لمواقع الدراسة أولا.
أخنوش قال بالحرف "ديرو النية وثقوا فينا.. نحن لن نضركم بل نريد أن نزيد بكم إلى الأمام".
كلام جميل.. كلام معقول.. لا أحد يستطيع أن يقول عنه شيئا.. على رأي المطربة الراحلة ليلى مراد.
بالمقابل، حينما جاء دور وهبي ضرب على الطاولة كثيراً، وأرغى كثيراً أيضا ولو أنه لم يزبِدْ، لكنه عموماً بدا متشددا بشكل كبير رافضا "ليّ ذراع الدولة".
وهبي أضاف أيضا أن الحكومة تتحمل مسؤوليتها "وهي في موقع قوة"، وما قامت به في جل المجالات خلال سنتين لم تقم به الحكومات السابقة في 10 سنوات.
واستعمل لغة الأرقام إذ قال إن 40 ألف أستاذ فقط من احتجوا في الرباط، في حين أن هناك 280 أستاذ "يريدون الحوار".
كلام مستفز في كل الأحوال ويتناقض مع "الهدنة" والحوار اللذان دعا إليهما أخنوش، وعبارات من قبيل "ديرو النية" و"نريد لكم خيرا".
يجمع الاثنان على الحوار نعم، لكن الحوار تحت التهديد ليس هو الحوار بالتوافق.
فهل التجانس الذي أشاد به أخنوش في بداية الجلسة، بين الأغلبية، غير موجود أساسا، وأن التوجه العام غير واضح؟ أم أن الأمر يتعلق فعلا بنظرية "الشرطي الطيب والشرطي الشرير".. أو بعبارة مغربية خالصة "شي يكوي وشي يبخّ"؟