ما لم تتحسن الوضعية المناخية بالمغرب، وتكون هذه السنة مختلفة من حيث كمية الأمطار، فسيعيش المغرب عاما آخر، بعد 6 سنوات متتالية، من الجفاف.
ويعتبر العام الماضي أسوأ عام جفاف شهدته المملكة المغربية منذ 40 سنة، بحيث أصبحت أولوية الحكومة البحث عن تدابير جديدة ومبتكرة لتحقيق الأمن المائي وتلبية الطلب على المياه الصالحة للشرب.
ويبقى على رأس هذه التدابير البرنامج الوطني للتزويد بالماء الشروب ومياه السقي (2020-2027)، الذي تم إعداده بتوجيهات ملكية.
وقد تم تخصيص اعتمادات إضافية هامة رفعت ميزانية هذا البرنامج الإجمالية إلى 143 مليار درهم، بتعليمات ملكية رمت إلى تسريع وتيرة هذا البرنامج، وتحيين محتوياته في جلسة عمل خصصت لتتبع أشغاله ترأسها الملك بتاريخ 09 ماي 2023.
محاولات دولية
على الصعيد الدولي، تُبدي دول عدة، على خلفية ظاهرة الاحترار المناخي، اهتماماً متزايداً بتطوير تقنيات تتيح التحكم بالغيوم لجعلها تمطر مثلاً، أو لتقليل أحجام حبات البَرَد، وهو التوجه الذي قد يتسبب بتوترات جيوسياسية.
وفي ضوء ذلك، تحاول دول عدة إحداث تغيير في الطقس، كالهند وتايلاند والولايات المتحدة والصين، ففي عام 2020، أصدرت بكين تعميماً يشرح استراتيجيتها، وكشفت من خلال هذه الوثيقة أنها ستمتلك بحلول سنة 2025 نظاماً متطوراً لتعديل الطقس.
كما تعمل دولة الإمارات العربية المتحدة جاهدة لتحقيق هدف مماثل، وأطلق المركز الوطني للأرصاد الجوية في هذا الإطار قبل أعوام برنامجاً لبحوث علوم الاستمطار بهدف الإشراف على منح بحثية بقيمة مليون ونصف مليون دولار أميركي لتحفيز العلماء والباحثين على إيجاد أفكار مبتكرة في هذا المجال، وتكمن أهداف البرنامج في تطوير تقنيات تحسن من كفاءة وقدرات التوقع الخاصة بعمليات تلقيح السحب.
وتقوم التقنيات الحديثة عموماً بنثر جسيمات أيوديد الفضة والملح الاسترطابي وسواها في السحب، إما بالطائرة، أو بواسطة مولدات أو صواريخ من الأرض. وبعد ذلك، تؤدي الجسيمات الصغيرة التي تُضَخ في السحابة إلى تعديل بنيتها، ويُفترض أن تجعلها تُمطر.
المغرب يستمطر
يعتمد المغرب عملية "الاستمطار الاصطناعي، كل سنة، لمواجهة جزء من أزمة الجفاف، وزيادة نسبة الأمطار وحجم المساحات المزروعة، بنسبة تصل إلى 20%.
ويرى خبراء مناخيون أن التقنية تزيد نسبة التساقطات بالمغرب بما لا يتعدى 4 بالمائة، فإذا كنا، مثلا، ننتظر 30 ملمترا يمكن أن تصل المقاييس بفضل هذه التقنية إلى 40 أو 50 ملمترا.
وقد بدأ المغرب هذه التقنية منذ ثمانينيات القرن الماضي بتنسيق مع وكالة التنمية الأمريكية، وهي تقنية محمودة بيئيا وعلى مستوى توفير المياه دون مخاطر، خصوصا أنها لا تنتج فيضانات أو سيولا جارفة.
وتتم عملية الاستمطار الاصطناعي بالمغرب بمراقبة حالة الطقس أولا، حيث يقوم المختصون بتحليل مختلف المعطيات والتنبؤات الجوية بدقة، على مدار 24/24، ويتم تحديد الوقت المناسب للتلقيح بالنسبة للمولدات الأرضية، بالإضافة إلى موقع السحب القابلة للتلقيح في حالة استعمال الطائرة.
ووفق مديرية الأرصاد الجوية، فإن التلقيح يتم بحبيبات ملح كلورور الصوديوم ويودير الفضة، التي لها خصائص مشابهة للماء والثلج حسب نوعية السحب، إذا كانت باردة أو دافئة، علما أنه ليس كل السحب قابلة للتلقيح، بل لا بد من توفر مجموعة من الخصائص الميكرو – فيزيائية والجوية للقيام بهذه العمليات.
عيوب التلقيح
لكنّ لتلقيح السحب عيوباً، أبرزها أن من الصعب تقييم الفاعلية الحقيقية لهذه التقنية.
وتشير الباحثة في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية الفرنسي مارين دو غولييلمو ويبر التي خصصت أطروحتها لهذا الموضوع إلى أن التقنيات التي يقال عنها أنها توفر القدرة على استمطار السُحب، بينما قد يستغرق ذلك ساعات في وضع طبيعي، "ستصبح أكثر فأكثر موضع تنازع".
ومن الأمثلة على ذلك مثلاً أن مسؤولاً إيرانياً رفيع المستوى اتهم عام 2018 إسرائيل بسرقة السحب الإيرانية.
ولاحظ الكاتب والمحامي السابق ماتيو سيمونيه الذي أصدر أخيراً قصة عن هذا الموضوع، أن لا قانون دولياً في شأن السُحب. ورأى أن "الغيوم من نوع الملكية المشتركة، لذلك ثمة حاجة إلى قواعد مشتركة تتيح تَشارُكها".
وشدد الكاتب الذي يدعو إلى يوم عالمي للغيوم على أهمية "عدم استناد هذه القواعد المشتركة إلى الموقع الجغرافي (...)، فالسحب تتنقل في كل مكان. وبالطريقة نفسها، ويجب عدم تحديدها بناء على القدرات التقنية وثروات هذا البلد أو ذاك".