لن تغادر سنة 2023 إلا وقد خلفت خلفها رؤوساً يانعةً تم قطفها قضائيا، كي تبيت ليلة "رأس العام" وراء القضبان، أو على الأقل تبيت وهي مطاردة بهذا الكابوس.
لم تكن سنة 2023 عادية فيما يخص إيقاف ومحاكمة عدد من المسؤولين، بل إنها اختتمت بذلك في الحقيقة بعد أن تم إيقاف سعيد الناصيري، رئيس نادي الوداد الرياضي، وعبد النبي البعيوي، رئيس جهة الشرق، في قضية ما صار يعرف بـ"إسكوبار الصحراء".
وكانت التهم التي ألقت بالاثنين خلف القضبان ثقيلة جدا، بدءاً بالاشتباه بارتكاب أعمال جنائية من قبيل التزوير والإرشاء، إلى تسهيل خروج أشخاص من التراب المغربي، والمشاركة في تسلم المخدرات، ونقلها وتصديرها.
الجديد والمفاجئ في اعتقال الناصيري والبعيوي هو أنهما كانا، بالنسبة للمواطنين العاديين على الأقل، من فئة الــ"intouchables"، وأنهما من "الناس الكبار" الذين لا يمكن المساس بهم.
لكن، من الواضح أن ما بعد هذه السنة لن يكون كما كان قبلها، وأنه لم يعد هناك شخص "غير قابل للمساس به"، وبالتالي فالدولة قررت أن ترسم خارطة طريق جديدة، وربما مغرباً جديداً مختلفا في هذا الصدد.
ولو أن الأمر كان توقف عند الاثنين، لكان اعتباره طفرة أو حملة عابرة، ثم تعود حليمة إلى عادتها القديمة، كما كان يحدث من حين لآخر.
لكن سقوط قطع الدومينو بدأ منذ مدة، وتسارع بشكل تدريجي، ولعل الأمر بدأ مع قاضي التحقيق بمحكمة الاستئناف في البيضاء في شهر أبريل من هذه السنة، عندما أمر بإيداع الوزير السابق والقيادي بحزب الحركة الشعبية محمد مبديع السجن بتهم "الفساد وتبديد أموال عمومية والتزوير والرشوة واستغلال النفوذ".
في نهاية أكتوبر من نفس السنة، أقالت السلطات الرجل من منصبه على بجماعة الفقيه بنصالح، التي ظل على رأسها لمدة 23 سنةً كاملة !!
من كان يوماً يتصور أن هذه الأسماء "الغليظة" قد تلقى مصيراً كهذا؟
في الأول من دجنبر قررت المحكمة الدستورية تثبيت تجريد النائب البرلماني عبد النبي عيدودي المنتخب عن الدائرة الانتخابية المحلية "سيدي قاسم" (إقليم سيدي قاسم)، من عضويته، وبشغور المقعد الذي كان يشغله، إثر متابعته بتهمة "تبديد أموال عامة".
كما قرر قاضي التحقيق بغرفة الجنايات الاستئنافية المكلفة بجرائم الأموال بمحكمة الاستئناف بالرباط، آخر هذا الشهر أيضا، متابعة البرلماني محمد السيمو، رئيس المجلس الجماعي لمدينة القصر الكبير، و12 عضوا من المجلس الجماعي نفسه، في حالة سراح، بتهمة اختلاس وتبديد أموال عمومية.
ماذا حدث أيضا في دجنبر "المبارك" هذا؟
أصدرت المحكمة الدستورية قرارا بتجريد محمد الحيداوي المنتخب عن الدائرة الانتخابية المحلية "آسفي" (إقليم آسفي) من عضويته بمجلس النواب، وبشغور المقعد الذي كان يشغله مع إجراء انتخابات جزئية لشغل المقعد الشاغر طبقا لمقتضيات البند 5 من المادة 91 من القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب.
من الواضح أن التغييرات التي تحدث الآن ليست وليدة الصدفة، وأن المغرب يتجه نحوَ مسار جديد مختلف تفرضه عدد من التحديات الدولية الآنية والمستقبلية، قد يكون على رأسها تنظيم كأس العالم سنة 2030، والذي يفرض دفتر تحملات لا يمكن معه بأي حال من الأحوال أن يستمر الوضع "العشوائي" و"الفاسد".