قال الملك محمد السادس إن الديمقراطية ليست وصفة جاهزة، أو نموذجا قابلا للاستيراد، "وإنما هي بناء تدريجي متأصل، مستوعب للتعددية والتنوع، متفاعل مع السياق الوطني وخصوصيات كل بلد، دون تفريط في المعايير الكونية للديمقراطية التمثيلية، والتي من بين أسسها الاقتراع الحر والنزيه، والتعددية الحزبية، والتناوب على تسيير الشأن العام".
وأبرز الملك، في رسالة ملكية تلاها بالمناسبة رئيس مجلس النواب راشيد الطالبي العلمي، خلال افتتاح الندوة الوطنية لتخليد الذكرى الستون لتأسيس البرلمان المغربي أن النموذج البرلماني المغربي "أسس وفق رؤية سياسية متبصرة، تقوم على التدرج ومراكمة الإصلاحات الدستورية المتواصلة، والحرص على مشاركة القوى السياسية والاجتماعية والاقتصادية الحية".
وأضافت الرسالة الملكية أن تخليد ذكرى تأسيس أول برلمان في المغرب، حدث هام له ثلاث غايات أساسية، "الأولى، هي تذكير الأجيال الحالية والصاعدة بالمسار الديمقراطي والمؤسساتي الوطني، وبما راكمه من إصلاحات في إطار التوافق الوطني، والثانية في الوقوف على ما أنجزته بلادنا في مجال العمل البرلماني، وعلى مكانة السلطة التشريعية في مسار الإصلاحات المؤسساتية والسياسية والتنموية، التي عرفها المغرب طيلة هذه الفترة من تاريخنا المعاصر، أما الغاية الثالثة فهي استشراف مستقبل النموذج السياسي المغربي، في أفق ترسيخ أسس الديمقراطية التمثيلية".
وأوضح الملك محمد السادس أنه، بدخول أول دستور للمملكة بعد الاستقلال حيز التنفيذ، والذي أرسى معالم دولة حديثة، قوامها انتخاب المواطنين لممثليهم في مختلف المجالس التمثيلية، حيث تم انتخاب أول برلمان من مجلسين في 1963، دشن المغرب بقيادة الملك الراحل الحسن الثاني مرحلة جديدة من حياته السياسية والدستورية، مؤكدا اختياراتها السيادية في التعددية السياسية والحزبية، والديمقراطية التمثيلية.
وأضاف الملك أنه، رغم التحولات التي عرفتها تلك المرحلة، فإن التعددية الحزبية ظلت قائمة، "واستمر التفرد المغربي سائدا بوجود أحزاب سياسية جادة، تحمل مشاريع مجتمعية متنوعة، ومجتمع مدني يقظ، وتنظيمات نقابية مستقلة، أفرزت نقاشات حيوية تمخضت عنها مراجعات دستورية متعاقبة في سبعينيات وتسعينيات القرن الماضي، أدخلت تغييرات جوهرية، ورسخت تعددية التمثيل في المؤسسة البرلمانية".
وشدد الملك على أن العمل البرلماني وديمقراطية المؤسسات التمثيلية حققتا نضجا كبيرا على مستوى الاختصاصات وممارستها، وكذا من خلال الانفتاح على المجتمع المدني، وفي تنظيم وتدبير العمل البرلماني، وكذا إبرام شراكات مع برلمانات وطنية أخرى، مستدركا أنه، بالرغم مما تم تحقيقه في هذا المجال، "فإنه ينبغي مضاعفة الجهود للارتقاء بالديمقراطية التمثيلية المؤسساتية إلى المستوى الذي نريده لها، والذي يشرف المغرب".
ولعل من أبرز التحديات التي ينبغي رفعها للسمو بالعمل البرلماني، تضيف الرسالة الملكية "ضرورة تغليب المصالح العليا للوطن والمواطنين على غيرها من الحسابات الحزبية، وتخليق الحياة البرلمانية من خلال إقرار مدونة للأخلاقيات في المؤسسة التشريعية بمجلسيها تكون ذات طابع قانوني ملزم، وتحقيق الانسجام بين ممارسة الديمقراطية التمثيلية والديمقراطية التشاركية، فضلا عن العمل على الرفع من جودة النخب البرلمانية والمنتخبة، وتعزيز ولوج النساء والشباب بشكل أكبر إلى المؤسسات التمثيلية".
كما أكد الملك، في ذات السياق، على الدور الحاسم الذي يجب أن يضطلع به البرلمان في نشر قيم الديمقراطية وترسيخ دولة القانون، وتكريس ثقافة المشاركة والحوار، وتعزيز الثقة في المؤسسات المنتخبة.