من الطبيعي أن تتجه الأنظار، بعد كل انتكاسة كروية، إلى مدربي الفرق بالدرجة الأولى، باعتبارهم قادة الجوقة ومحرّكي أحجار الشطرنج على رقعة الملعب الأخضر.
وبعد هزيمة المنتخب الوطني المغربي لكرة القدم، أمس الثلاثاء، أمام جنوب إفريقيا، كان السؤال الأهم الذي طرح على وليد الركراكي في الندوة الصحافية التي تلتْ المباراة هو: هل ستقدم استقالتك؟
الركراكي لم يتسرع في الإجابة رغم ثقل الهزيمة ومرارتها، وترك الباب موارباً قليلا، مصرحا بما يلي "أنا الكلمة ديالي كتعرفوها، وأنا كنتحمل المسؤولية، غادي نجلس مع رئيس الجامعة ونشوفو شنو اللي أحسن للمغرب، واش نبقى ولا نمشي".
على مستوى العقد مع الجامعة، فإن من شروط استمراره، الوصول بالمنتخب إلى نصف النهاية. وهو ما لم يحدث للأسف.
والسؤال الذي يطرحه الشارع المغربي المهتم بالساحرة المستديرة الآن هو: هل على الركراكي أن يستقيل فعلاً؟
والإجابة عن هذا السؤال لا تكون إلا برؤية بعيدة المدى، تستحضر الماضي وتصلح الحاضر، وتستشرف المستقبل.
ما الذي حققه الركراكي فعلاً؟
من المؤكد أن وليد كان قدمَ خيرٍ على المنتخب، رغم تعيينه في وقت عصيب، وعلى بعد أشهر من أهم منافسة كروية وهي المونديال.
ولقد نجح الأخير في الخروج بتوليفة نادرة في تاريخ كرة القدم المغربية تتمثل في وجود مدرب مغربي، وكتيبة كاملة يطبعها أهم شيء افتقده المنتخب على مرّ عقود: الانسجام.
بعد ذلك، أظهر الركراكي علو كعبه على المستوى الفني والتقني، وأحرج منتخبات كبرى من خلال إدارك حجمه أولا، واستثمار ما لديه من قدرات ثانيا.
طبعاً، أضاف وليد لكل هذا وصفته الخاصة: النية ورضاة الوالدين، والتي أثمرت ضجة عالمية انعكست حتى على المستوى الاقتصادي للوطن بكامله.
النتيجة الأخيرة كانت احتلال المنتخب المغربي لأول مرة في تاريخه المرتبة الرابعة في كأس العالم، وارتقائه على مستوى الترتيب العالمي إلى الـ15 الأوائل.
أتبعَ ذلك الركراكي بانتصارات أخرى متأهلاً إلى كأس إفريقيا، ومنتصراً على البرازيل في ودية تاريخية، قبل أن يتوقف الضجيج فجأة بعد الإقصاء في كأس إفريقيا.
ما الذي أخطأ فيه الركراكي في هذه الكأس؟
من الجميل أن يكون للمدرب رأي ثابت واختيارات يقتنع بها، لكن أحيانا يكون للمحللين وللشارع الرياضي أيضا وجهة نظر قد تكون صائبة، ولا عيبَ إطلاقا في أن ينصت إليها المدرب.
ما يعاب على الركراكي في هذه النقطة أنه "ماكايديش على المغاربة"، كما قال حرفيا في أحد التصريحات، ونحن نتفهم أن الجمهور عاطفي بشكل كبير ولا يمكن الإنصات إليه طول الوقت.
لكن، في مباراة جنوب إفريقيا خصوصا، اتضح أنه كان على وليد أن يلتفتَ إلى آراء الجماهير والتي أجمعت على أن عطية الله كان ينبغي أن يشارك منذ الوهلة الأولى بدل مزراوي، أو على الأقل عندما بدا أن مزراوي ليس في "الفورمة" بتاتا.
ومن أكبر الأخطاء تشبث الركراكي باللاعب أملاح الذي أجمع الجمهور أيضا أنه لم يقدم أي شيء على الإطلاق في المباريات السابقة، إن لم نقل أنه كاد يقدم هدايا للخصوم في أكثر من مرة، دون أن ينقص هذا شيئا من قيمته بشكل عام.
وقبل هذا وذاك، كان على الركراكي أن ينسى قليلا "كتيبة كأس العالم" التي يبدو أن العاطفة غلبته فيها كثيرا، فأصر على إبقائها كما هي في منافسة إفريقية يعرف الجميع أن الشراسة والقوة البدنية والظروف المناخية القاسية هي ثالوثها القادر على الإطاحة بأعتى الفرق العالمية.
إذن.. هل على الركراكي أن يستقيل؟
الجواب هو لا.
من الواضح أن الركراكي يحب أن يكون فارساً وشهماً، وأن يبقيَ عبء الإقصاء عليه وحده، لكن الحقيقة، رغم كل العيوب التي ذكرناها، ليست كذلك.
فبالمنطق، وكمثال فقط، كان بإمكان المنتخب أن يتعادل ويغير مسار المباراة بشكل كامل لو تمكن أشرف حكيمي من تسجيل ضربة الجزاء التي حصل عليها أيوب الكعبي، الذي أقحمه الركراكي نفسه !
وبالتالي، عمليا، فإن وليد قام بما عليه هنا، وأدخل اللاعب المناسب الذي اقتنص ضربة الجزاء، لكنها مسألة حظ وأقدار وتركيز لم يكن حاضرا لدى حكيمي.
أيضا، الأهداف التي سجلت في المنتخب كان من الممكن، في أوضاع أخرى، أن يمنعَها ياسين بونو، لكنها العوامل العديدة التي تؤثر على التركيز في الأجواء الإفريقية.
خلقَ المنتخب فرصا لم يقتنصها اللاعبون، وخلق البافانا بافانا فرصة ونصف، وسجل منها هدفين.
بهذه المعطيات هل يمكن أن نلقي كل اللوم على المدرب؟ سيكون من الظلم لو فعلنا ذلك.
ونعود الآن إلى التوليفة التي خلقها الركراكي والتي لا زالت كما هي رغم الإقصاء، والتي يمكن أن تواصل لسنينَ أخرى، مع التغييرات اللازمة، والتي بدت واضحة للجميع وعلى رأسهم بالتأكيد الطاقم التقني للمنتخب.
تغيير المدرب الآن يعني العودة لنقطة الصفر، قبل عام ونيف من المنافسات التي ستجري في المغرب، بينما يبدو أن الركراكي وعدد كبير من لاعبيه لا زالوا قادرين على العطاء، ولا زالوا يرغبون في تقديم الكثير من العرق والجهد للوطن.
والحقيقة أن أكبر خطأ يمكن أن يرتكب الآن هو أن يغادر الربان وليد الركراكي لمجرد إقصاءٍ من كأس نعلم جميعا أن حظنا معها كان، وبقيَ، ونتمنى ألا يظل، سيئا جدا.