لا زالت كرة الثلج تتدحرج ويعظم حجمها في قضية أزمة طلبة الطب، في ظل تشبث عبد اللطيف ميراوي، وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، بلغة التصعيد وصبّ الزيت على النار.
ما هو غريب في مثل هذه الأزمات أنها متكررة، وأنها أثبتت، على مر السنين، أن الحوار يكون دائما هو الحل الوحيد والأوحد، لا التعنت من جهة المحتجين، ولا لغة الوعيد من جهة الوزارات.. وما أزمة الأساتذة عنا ببعيد.
عبد اللطيف ميراوي لم يحذُ حذوَ زميله في الحكومة، وفي قطاع التعليم بالضبط، شكيب بنموسى، ولم يختر الجلوس إلى الطاولة، معتقدا أن التهديد بـ"الحلول الأخرى" و"الخسائر الفادحة" قد يؤتي أكله.
في كل الأزمات السابقة، في مختلف القطاعات، لا يخمد نار الاحتجاجات والغضب الجماعي، سوى لغة الديبلوماسية والهدوء، مهما كان الخلاف حادا.
هناك دائما حلول، أو حتى أنصاف حلول، تجنب الجهات المسؤولة الظهور بأنها خضعت للاحتجاجات، وهذا ما ترفضه هي بالتأكيد، وتجنب المحتجين كذلك خسارات معنوية ومادية.
لكن ميراوي، الرجل الذي ظهر اسمه فيما أطلق عليه بـ"تعديل جون أفريك" الحكومي، يواصل سياسة المواجهة بدل الجلوس إلى الطاولة.
ولعل طمعَ البعض في ديبلوماسية رئيس الحكومة، هي ما جعلتهم يوقعون عريضة وطنية تلتمس منه التدخل لفتح حوار وطني مباشر مع اللجنة الوطنية لطلبة الطب و الصيدلة وإلغاء جميع العقوبات التي وصفوها بأنها "قاسية وغير مبررة"، والتي تم اتخاذها سابقا ضد ممثلي الطلبة.
ويبدو معقولاً جدا ما جاءت به العريضة التي لفتت الانتباه إلى أن ما جاء في تنزيل الإصلاحات الجديدة لم يلتفت لا للأساتذة، المسؤولين بيداغوجيا عن تكوين هؤلاء الطلبة، ولا الطلبة أنفسهم باعتبارهم المعنيين الأوَائل بها.
وإن كانت العريضة ترى أن هدف الوزارة لم يكن الإصلاح في حد ذاته، بل الوصول إلى عدد معين من الخريجين في أفق 2030، فإن هذا الأمر يبقى سابقا لأوانه، وينبغي عدم التركيز عليه إن كان هناك اتجاه نحو الحوار الذي سيبحث عن نقاط الاتفاق لا الخلاف.
لقد لجأت العريضة السابقة إلى رئيس الحكومة الذي أثبتت الأزمات السابقة أنه، أيا كانت المؤاخذات، كان يصل بها إلى بر الأمان، بتنازلات من هنا وتنازلات من هناك.
أما لغة ميراوي المتوعدة فمن المؤكد أنها ستلقي مزيداً من الزيت فوق نار الاحتجاجات، وهو ما قد تكون عواقبه وخيمة على أكثر من صعيد.