في أواخر التسعينات زفت مجموعة من الصحف المستقلة خبراً إلى المغاربة مفاده أننا سنصبح بلداً نفطيا، بعد أن أعلن عن اكتشاف احتياطات هامة آنذاك.
لكن الخبر تقادم، والنفط اختفى، ولم يعد أحد للحديث عنه بعد ذلك، وتبخرت معه أحلام المغاربة الذين كانوا قد بدأوا يواكبون الخبر بأحلام ونكات، ويتحدثون عن كون الثراء سيطرق أبواب المغاربة أخيرا وسيصبحون بلد البترودولار، أو البتروأورو.
لكن في العقدين الأخيرين، لم يعد الأمر يعلق بخبر فقط، ولا بإشاعة، بل إن شركات التنقيب عن الغاز تتوافد على المملكة وأخبار احتياطات الغاز التي يتم العثور عليها تبشر بمستقبل زاهر في هذا القطاع.
لكن، بدلَ أن ينعكس ذلك على معيشة المواطن، أو على الأقل يمهّد لذلك، فإن الغاز الوحيد الذي تم اكتشافه فعلاً من طرف حكومة عزيز أخنوش هو الذي يتواجد في جيوب المغاربة.
درهمان ونصف للبوطاغاز الصغيرة، وعشرة دراهم للبوطاغاز الكبيرة، هو الغاز الحقيقي الذي سيتم استخراجه من جيوب الأسر المغربية، التي كانت تحلم بالثروة، فحصلت على شيء آخر.
تتحجج الحكومة بأنها رفعت الدعم لأن المستفيد الأكبر منه هو الأثرياء والشركات الكبيرة، بينما الأولى أن يذهب الدعم المباشر إلى جيوب المواطنين.
والمضحك في هذا المبرر أنه يشبه معاقبة مجموعة من الناس لأن بينهم بضعة أشرار: دعوني أعاقب الجميع كي نضمن أن الأشرار قد أخذوا نصيبهم أيضا !!
تتحدث الحكومة وكأنها عاجزة عن معرفة هؤلاء المستفيدين والتوجه إليهم مباشرة بضريبة خاصة تنتزعها منهم نظير الثمن الزهيد الذي يقتنون به الغاز.. الحل سهل جدا، ولا يوجد مبرر لإقحام المواطن البسيط فيه.
طبعا كان أول من أبدع هذا المبرر هو بنكيران الذي كان يتظاهر بالاستئساد على هذه الشركات الكبيرة، بينما الحقيقة غير ذلك، والهدف أولا وأخيرا، هو استنزاف جيب المواطنين واكتشاف "أطنان" الغاز التي في جيبه.
المشكلة الآن أن الحكومة اكتشفت الغاز في جيوب المغاربة جميعا، بينما لم تعط الدعم إلا لفئة قليلة وبشروط مفرطة في المبالغة تسمى باختصار "المؤشر".
أي أن المصيبة عمّت، لكن الدعم لم يفعل.
ومن غريب الصدف أنه نفس المنطق الذي تحججت به الحكومة من أجل الزيادة، فقد قالت أن المصيبة عامة، وهي تريدها أن تكون خاصة فقط بالشركات الكبيرة.
وها نحن الآن أمام غاز يدفع المواطن ثمنه بزيادة كبيرة، بينما الشركات الكبيرة فلا يوجد أحمق يظن أنها ستعجز عن إيجاد حل لهذه الزيادات فهي "موقيدة بسوقها".