العقار في طنجة.. فضائح متتالية تشوه وجهَ عروس الشمال وتهدد المشاريع التنموية الكبرى

 العقار في طنجة.. فضائح متتالية تشوه وجهَ عروس الشمال وتهدد المشاريع التنموية الكبرى
آخر ساعة
الثلاثاء 28 مايو 2024 - 9:09

العقار في طنجة هو الدجاجة التي تبيض ذهبا، خصوصا في مدينة لا تكاد تتوقف، بشكل دائم، على المستويين الاقتصادي والتجاري.

ولأن أرباحه شبه مضمونة والطلب دائما أكثر من العرض، فإن الإقبال عليه من طرف المستثمرين، سواء القدامى أو الجدد، يبقى كبيراً جدا إلى درجة أن الأمر وصل، ويصل، في كثير من الأحيان، إلى خرق القوانين.

هذه الخروقات تسببت في فضائح، وفي فتح تحقيقات، بل وإزهاق الأرواح كما حدث مؤخرا مع العمارة – قيد البناء – التي انهارت وأودت بحياة حارسها.

طنجة.. صاروخ العقار الذي لا يبطئ

يشير تقرير لبنك المغرب والوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية، صادر في نونبر الماضي، أن سوق العقار في المغرب سجل مؤشرات أداء منخفضة، بعد أن تراجع عدد المعاملات، بنسبة 4.5% في الربع الثالث من عام 2023، فيما شكلت طنجة حالة استثنائية حيث استمرت الأسعار في الارتفاع مسجلة 10,6% كنسبة زيادة.

والحقيقة أن الأمر لا يتعلق باستثناء، باعتبار أن العقار لا ينخفض ثمنه أبدا، سواء على مستوى سعر المتر أو السومات الكرائية، وهو ما يرجع طبعا إلى الصعود الاقتصادي الصاروخي للمدينة.

والآن، انضاف عامل قوي جدا يرتقب أن يضاعف الأسعار، وبالتالي يشعل حمى البناء وغزو الإسمنت، وهو احتضان المدينة لمباريات كأس العالم المرتقبة سنة 2030.

فضيحة الرخص

في صيف السنة الماضية، تفجرت فضيحة تتعلق بتزوير وثائق إدارية تتعلق بــرخص السكن، بعد أن قام عمدة طنجة منير ليموري بوضع شكاية ضد مجهول، يطالب فيها بفتح تحقيق في تزوير وثائق إدارية تحمل توقيعه.

وبعد تحقيقات مطولة، وفي شهر فبراير الماضي، أدانت غرفة الجنح التلبسية بالمحكمة الابتدائية بطنجة متهمين بثمانية أشهر حبسا نافذا وغرامة قدرها 1000 درهم، و6 أشهر حبسا موقوف التنفيذ وغرامة مالية قدرها 1000 درهم، على التوالي.

كما قضت بمؤاخذة متهمين آخرين من أجل المشاركة في تزييف أختام وطوابع إحدى السلطات، وفي تزوير الرخص التي تُصدرها الإدارة العامة إثباتا بالحق ومنح ترخيص ومن أجل استعمالها، والحكم على كل واحد منهما بستة أشهر حبسا موقوف التنفيذ وغرامة مالية قدرها 1000 درهم.

لقد كان الدافع وراء هذه الرخص المزورة هو السماح بالبناء في وقت قياسي، أو السماح بخروقات تعميرية يرفضها القانون، وهو ما يعني أن النتائج ستكون عبارة عن تشوه عمراني وخسائر مادية على أكثر من مستوى، وربما خسائر بشرية كما حدث في موضوع العمارة بمنطقة الرهراه.

عمارة الرهراه

ليلة الثلاثاء 21 ماي، عاش سكان طنجة على وقع حادثة أليمة تمثلت في انهيار عمارة قيد البناء بمنطقة الرهراه، أدت إلى إزهاق روح حارس ورش العمارة.

ووفق مصادر مطلعة، فإن هذه العمارة السكنية، التي رخص لها من طرف مصالح الجماعة والوكالة الحضرية، شيدت في منطقة شبه جبلية، وفوق نوعية تراب تعرف باسم "التراب المارج".

وقد أكد سكان الإقامات المجاورة أنهم اعترضوا كثيرا على عملية البناء بهذه المنطقة بسبب الأضرار المترتبة عن ذلك خصوصا أثناء التساقطات المطرية، بسبب نوعية التربة.

ومن الواضح أن الترخيص لمشروع كهذا، رغم ما يحيط به من غموض ولبس، لا يمكن أن يمر مرور الكرام بعد أن فتحت السلطات تحقيقا في الموضوع.

ومن المؤكد أن واقعة العمارة لن تكون الأولى ولا الأخيرة ولا الوحيدة، إن استمر التعامل مع العقار في مدينة طنجة كبقرة حلوب، بغض النظر عن القانون، أو سلامة المواطنين.

لا خطوطَ حمراء

يصل غزو الإسمنت في طنجة إلى مناطق تعتبر خطا أحمراً على المستوى الدولي، وهي الغابات أو المحميات البيئة، وتعتبر غابة الرميلات الهدف الأول لما يعرف بـ"أباطرة العقار" في المدينة.

ورغم التصديات الكثيرة للنشطاء البيئيين، إلا أن الزحف لا يتوقف، متخذا أشكالا وحيلا مختلفة، وأوقاتاً غير متوقعة.

وقد كان آخر هذه الخروقات هو ما قامت به شركة عقارية أجنبية من خلال وراء إحداث سور إسمنتي، وسط هذه الغابة.

الشركة، وفق متابعين، قامت بتجميد هذه الرخصة، لتعاود الأشغال لاحقا بشكل غير قانوني، محاولة تحديث الرخصة دون العودة إلى السلطات المختصة، وهو ما ثبت فعلا لدى هذه السلطات بعد فتح تحقيق أولي في الموضوع، حيث أمرت بوقف جميع الأشغال التي كانت تباشرها هذه الشركة، إلى حين بت القضاء في الملف، كما قامت توسيع دائرة التحقيقات بخصوص الضوء الأخضر الذي حصلت عليه لتشييد سور إسمنتي بهذه الغابة.

فاعلون يحذرون

يرى مرصد حماية البيئة والمآثر التاريخية بطنجة أن غابات طنجة، بينها غابة الرهراه، تعرف بشكل عام ضغوطا مكثفة على جميع الواجهات من خلال القطع و الاجتثاث و البناء و رمي الردمة و الأزبال و الرعي الجائر و افتعال الحرائق وغيرها من الأفعال الشنيعة التي تجري أمام أنظار المسؤولين و بعلم بعضهم و تواطئ بعضهم الآخر.

ويدعو المرصد إلى ضرورة ترتيب المسؤوليات، وفق السلطات المخولة لكل جهة معنية بتدبير الغابات وفي مقدمتها ولاية الجهة المنسقة والمشرفة عمليا على جميع المصالح الخارجية، ثم المندوبية الجهوية للمياه والغابات ومحاربة التصحر المناط بها بحكم القانون حماية المجال الغابوي والحفاظ عليه، كما تتحمل الجماعات الترابية مسؤولية جسيمة مرتبطة بسلطة منح الرخص و سحبها والتصدي القانوني للبناء خارج سلطتها ومراقبتها.

ووفق المرصد دائما، فإن المصالح الخارجية المرتبطة بالبيئة والغابات ومجلس الجهة لا تستثنَ من المسؤولية في هذا الإطار، حيث لا يعقل أن تكون لكل هذه المؤسسات جميع الإمكانيات البشرية والمادية واللوجستيكية اللازمة والتي تمكنها من الوقوف على صغائر المخالفات التي تتم في مجال التعمير على مستوى الأحياء الشعبية والفقيرة، "بينما تعجز عن ترقب وتتبع جرائم بيئية تتم في واضحة النهار وعلى مرأى ومسمع من الجميع بشكل مكرر ومنظم".