من المؤكد أن الجفاف يبقى واحدا من أقسى الظروف المناخية التي تواجهها الأمم، حيث تقل المادة الحيوية الأكثر أهمية في حياة الإنسان بعد الأكسجين وهي الماء.
تعاني المملكة منذ 6 أعوام من جفاف قاسي، أسفرت عن ندرة مياه ملحوظة في مجموعة من سدود المملكة، كما أثرت أيضا على الإنتاج الفلاحي والزراعي.
وفي ظل هذه الظروف، علم المغرب، تحت قيادة ملكية رشيدة، خصوصا في السنة الأخيرة، على رسم خارطة طريق لمواجهة هذه المعضلة، وكذا لاستباق ما سيأتي من الأعوام.
فقد كان لا بد، بعد تكرار سنوات الجفاف، الناتجة عن التغير المناخي العالمي، أن تتجند كل الجهات المعنية من أجل إيجاد حلول مستدامة لهذه الإشكالية العويصة.
جلسات عمل برئاسة الملك
في 16 يناير من هذه السنة، ترأس الملك محمد السادس، بشكل شخصي، جلسة لتتبع هذه القضية ذات الطابع الاستراتيجي، ضمن جلسات أخرى متتالية ترأسها بنفسه.
وقد جاءت هذه الجلسة في إطار التتبع المستمر والعناية التي يوليها الملك لهذه المسألة الاستراتيجية، ولاسيما في السياق الحالي الذي يعرف تسجيل عجز ملحوظ على مستوى التساقطات وضغط قوي جدا على الموارد المائية في مختلف جهات المملكة.
كما دعا الملك الحكومة إلى اعتماد تواصل شفاف ومنتظم تجاه المواطنين حول تطورات الوضعية المائية والتدابير الاستعجالية التي سيتم تفعيلها، مع تعزيز توعية العموم بأهمية الاقتصاد في استهلاك الماء ومحاربة جميع أشكال تبذير هذه المادة الحيوية واستخداماتها غير المسؤولة.
جلسة العمل تدارست التفصيل، أيضا، "مخطط العمل الاستعجالي"، الذي تم إعداده من لدن القطاعات المختصة لمواجهة الوضعية الحالية، وضمان توفير المياه الصالحة للشرب، خصوصا في المدن والمراكز والقرى التي تعرف عجزا، أو من المحتمل أن تعرفه، على أن يتم السهر على تنزيله على مستوى مختلف الأنظمة المائية بالمملكة، ليشمل مجموعة من الإجراءات على المدى القصير، أبرزها التعبئة المثلى للموارد على مستوى السدود والآبار ومحطات التحلية الموجودة وإقامة تجهيزات استعجالية لنقل الماء والتزويد به، وكذا اتخاذ إجراءات لتقييد استعمال مياه الري وتقليص صبيب التوزيع كلما اقتضت الوضعية ذلك.
ولم يقف الأمر عند ذلك، بل وجه الملك القطاعات الحكومية المعنية إلى تسريع وتيرة إنجاز الأوراش المبرمجة التي لها وقع على المدى المتوسط، خاصة منها السدود في طور التشييد ومشاريع الربط بين أحواض سبو وأبي رقراق وأم الربيع، والبرنامج الوطني لمحطات تحلية مياه البحر، وبرنامج إعادة استخدام المياه العادمة المعالجة، وبرنامج اقتصاد الماء على مستوى شبكة نقل وتوزيع الماء الصالح للشرب ومياه الري.
كما حث الملك القطاعات الحاضرة على مضاعفة اليقظة والجهود لرفع تحدي الأمن المائي وضمان التزويد بالماء الشروب على مستوى جميع مناطق المملكة.
تحلية المياه.. سرعة قصوى
تُعتبر تحلية مياه البحر إحدى الحلول الرئيسية التي يمكن أن تساعد المغرب في التصدي للتحديات التي يواجهها، المتعلقة أساسا بندرة المياه وتغير المناخ.
وفي هذا الصدد يعمل المغرب على تعزيز استراتيجية تحلية مياه البحر بهدف زيادة إنتاج المياه المحلاة، حيث يهدف إلى رفع الإنتاج ليصل حوالي 1.4 مليار متر مكعب سنوياً بحلول عام 2027.
ويتوفر المغرب على 12 محطة لتحلية مياه البحر إلى حدود اليوم، من بينها محطة تحلية مياه البحر بالحسيمة وشتوكة آيت باها والعيون، وغيرها من المحطات التي تبلغ القدرة الإنتاجية لبعضها آلاف الأمتار المكعبة يوميا من المياه المُحلاة، مما يُمَكّن من توفير مياه السقي وتأمين الحاجيات من الموارد المائية.
وتسعى هذه الاستراتيجية التي تنهجها المملكة إلى تحقيق تناغم بين مشاريع تحلية مياه البحر وبرنامج "الهيدروجين الأخضر" وتطوير الطاقات المتجددة، حيث يتوقع أن تُسْهم في تعزيز الأمن المائي في المغرب ومواجهة تحديات التغيرات المناخية.
وفي منتصف يونيو الماضي، أعلن المغرب المرور إلى السرعة القصوى في هذا السياق، من خلال الإعلان عن بداية أشغال إنجاز أكبر محطة لتحلية مياه البحر الأكبر في إفريقيا.
ومن المرتقب أن تنتج المحطة الجديدة قدرة إنتاج سنوية تبلغ 300 مليون متر مكعب، ستستفيد منها ساكنة تقدر بـ .5 مليون شخص.
ويأتي المشروع الجديد في سياق رؤية الملك محمد السادس لتطوير العرض المائي، في الفترة الزمنية ما بين 2020 و2027، بتكلفة مالية تصل إلى 143 مليار درهم مغربي.
وستمكن المحطة من تلبية الطلب المتزايد على الماء بالدار البيضاء الكبرى ومدن سطات وبرشيد والبير الجديد والمناطق المجاورة.
كما ستنجز المحطة الجديدة، من خلال شطرين، على قطعة أرضية تبلغ مساحتها 50 هكتارا، وستكلف استثمارا إجماليا يبلغ 6.5 مليار درهم تمت تعبئته في إطار شراكة بين القطاعين العام والخاص.
وخلال الشطر الأول، الذي يرتقب أن يشرع في استغلاله في نهاية سنة 2026، ستبلغ القدرة الإنتاجية 548 ألف متر مكعب من المياه المعالجة يوميا، (200 مليون متر مكعب سنويا).
وسترتفع هذه القدرة الإنتاجية في الشطر الثاني، الذي سيشرع في استغلاله في منتصف سنة 2028، إلى 822 ألف متر مكعب يوميا، أي 100 مليون متر مكعب إضافية سنويا، منها 50 مليون متر مكعب للاستعمال في قطاع الفلاحة.
ويهم المشروع الضخم إنجاز وحدة لتحلية مياه البحر بتكنولوجيا التناضح العكسي، وإرساء منظومة نقل مياه الشرب انطلاقا من هذه المحطة، بتكلفة 3 ملايين درهم ممولة من القطاع العام، وتتكون من 3 محطات للضخ و3 خزانات وشبكة توزيع يناهز طولها 130 كيلومترا من قنوات الجر.
وستضم محطة تحلية مياه البحر للدار البيضاء قناتين اثنتين لجلب مياه البحر على طول 1850 مترا، وقناة لتصريف المياه على طول 2500 متر، ومنشآت التناضح العكسي، مع مضخات الضغط العالي، ومنشأة معالجة الأوحال، ومحطة التحكم والتدبير، ومحطات ضخ مياه البحر، وخزان المياه المحلاة.
وسيتم تزويد المحطة الجديدة، التي تقدر تكلفة إنتاج الماء بها بـ 4.48 درهم/متر مكعب، بـ 100% من الطاقات المتجددة، فيما سيتم تسييرها أوتوماتيكيا بشكل كامل.