ستضع مستجدات الصحراء، قريباً، نهايةً لحكاية تصريف الأزمات الداخلية للجزائر، ولن يبقى لهذه الأخيرة الكثير من المساحة للمناورة، حتى على المستوى الإقليمي.
فبعد رسالة الرئيس الفرنسي للملك محمد السادس، ستزداد عزلة الجزائر أكثر، الدولة النفطية التي تحاول أن تصرف أزماتها الداخلية نحو الخارج بطرق مختلفة، على رأسها قضية الصحراء التي أصبحت هاجسا وصداعا حقيقيا في رأس جنرالاتها.
هذا الصدع تجلّى، بشكل اتخذ طابع الغرابة، في ردود الأفعال التي اتخذتها، وتتخذها، كلما كانت هناك خريطة للمغرب (وخريطة المغرب دائما بصحرائه)، في مختلف الملتقيات كيفما كان نوعها.
ردود الفعل المتسرعة والمليئة بالعنتريات تمتد أيضا إلى الدبلوماسية التي لا تعرف عنها الجزائر شيئا، فتسارع إلى سحب سفرائها.
والجميع يتذكر كيف قامت فرق جزائرية رياضية، بالانسحاب من أكثر من منافسة قارية أو دولية، فقط بسبب وجود الخريطة في قمصان الفرق والمنتخبات المغربية، وهذا، بالتأكيد، واحد من أكثر الأحداث طرافة وغرابة في الوقت المعاصر.
أما على صعيد السفراء، فقد قامت الجزائر بسحب سفرائها ثلاث مرات، بسبب المغرب دائما، بدأتها بسحب سفيرها في المملكة أولا سنة 2021، بدعوى "أعمال عدائية" تجاهها ! ثم من مدريد سنة 2022، بعد أن صدمها قرار رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز القاضي بدعم مبادرة الحكم الذاتي، وأخيرا من فرنسا.
ومن غريب الصدف، أن يكون السفير الذي سحب من مدريد، هو نفسه الذي أرسل لفرنسا، ليتم سحبه مرة أخرى، وهو ما جعل الأمر حدثا للتندّر على سعيد موسى، الذي أطلقوا عليه وصف "السفير المسحوب"، متوقعين إرساله إلى دولة أخرى ثم سحبه، بعد أن تعترف هي أيضا بسيادة المغرب على صحرائه.
ما لا ترغب الجزائر في فهمه هو أن ما حققه المغرب لحد الآن كان نتيجة لرصانة دبلوماسية متأنية، متراكمة، بقيادة الملك محمد السادس، تستحق أن تأخذ منها الجزائر دروسا حقيقية لتبني عليها مستقبلا مختلفا لها ولأبنائها، وأن تحفظ آخر ما تبقى من ماء وجهها، ومن أواصر الجوار التي ما فتئت المملكة تمد يدها من أجل وصلها.
وللأسف، لحد اللحظة، ومن خلال ردود الفعل، وتصريحات المسؤولين، تبدو الجزائر حبيسة فقاعتها، مصرة على العداوة ولا شيء غيرها، وعلى التعنت والعنتريات، وهو ما سيزيد عزلتها القارية والدولية إلى الحد الأقصى.
ما هو مؤكد، أن مستجدات ملف الصحراء ستضع الجزائر أمام مرآة شعبها، ولن يبقَ لديها الكثير لتناور به، وسيكون عليها أن تجيب شعبها عن أسئلة كثيرة جدا.