مضى عام كامل على الوقت الذي اهتزت فيه الأرض تحت قاطني منطقة الحوز، وهزت معها قلوب ملايين المغاربة، حزناً وأسفاً وتعاطفا على ما خلفته الكارثة من مآسي.
كانت الساعة تشير إلى الحادية عشرة ليلاً وبضعة دقائق، بالتوقيت المغربي، عندما بدأت الأنباء تصل، بدايةً، على شكل منشورات فيسبوكية تشير إلى الشعور بـ"هزة أرضية" فقط بعدد من المناطق التي تجاوز الإقليم.
لم يدرك أحد حجم الكارثة إلا بمرور الدقائق والساعات، وانتشار المعلومات والصور، ليتضح أن الأمر يتعلق بزلزال مدمر بلغت قوته 6,8 على سلم ريشتر، خلف أكثر ما يقارب 3000 قتيل وأكثر من 5000 جريح، وخسائر مادية هائلة.
مبادرات ملكية عاجلة
مباشرة بعد الكارثة، جاءت التعليمات من الملك محمد السادس، القائد الأعلى ورئيس أركان الحرب العامة للقوات المسلحة الملكية، بنشر القوات، بشكل مستعجل، ليلة 9 شتنبر 2023، مع توفير وسائل بشرية ولوجيستية مهمة، جوية وبرية، إضافة إلى وحدات تدخل متخصصة مكونة من فرق البحث والانقاذ، ومستشفى طبي جراحي ميداني.
أياما قليلة فقط بعد ذلك، ترأس الملك محمد السادس، يوم 14 شتنبربالقصر الملكي بالرباط، اجتماع عمل خصص لتفعيل البرنامج الاستعجالي لإعادة إيواء المتضررين والتكفل بالفئات الأكثر تضررا من زلزال الحوز.
وجاء في بلاغ للديوان الملكي حينها أن الملك أعطى بالتكفل الفوري بالأطفال اليتامى الذين فقدوا أسرهم وأضحوا بدون موارد، حيث أمر بإحصاء هؤلاء الأطفال ومنحهم صفة مكفولي الأمة.
20 شتنبر من نفس الشهر، ترأس الملك محمد السادس، بالقصر الملكي بالرباط، جلسة عمل أخرى خصصت لبرنامج إعادة البناء والتأهيل العام للمناطق المتضررة من زلزال الحوز.
وبميزانية توقعية إجمالية تقدر بـ 120 مليار درهم، على مدى خمس سنوات، غطت الصيغة الأولى من البرنامج المندمج ومتعدد القطاعات الأقاليم الستة والعمالة المتأثرة بالزلزال (مراكش، الحوز، تارودانت، شيشاوة، أزيلال، وورزازات)، مستهدفة ساكنة تبلغ 4,2 مليون نسمة.
هبّة شعبية
يومٌ أو يومان بعد الكارثة، كان المغاربة قد هبوا لمساعدة المتضررين من الزلزال، وانطلقت قوافل المساعدات حاملة أطنانا منها نحو المناطق المتضررة، ومن مختلف المدن المغربية.
هبة تنازلتها وسائل إعلام دولية وأشادت بها، مستغربة هذا الكم الهائل جدا من التعاطف والبذل والعطاء، الذي أظهر الجانب التضامني لدى المغاربة.
يرى الكاتب فوزي بوخريص أن مبادرات المجتمع المدني بالمغرب تميزت باستثمار الخبرة المتراكمة خصوصا، والموظفة في التحرك الواسع لمواجهة آثار الزلزال، وأن أبرز مظاهر هذه الخبرة "التأسيس الفوري لمبادرة مدنية لدعم المناطق المنكوبة"، التي أصدرت بيانا حمل توقيع مئات الجمعيات والشبكات الجمعوية الموزعة عبر تراب المملكة، واتخذت جملة من التدابير أهمها دعوة كل فعاليات المجتمع المدني في كل مدينة مغربية، إلى عقد اجتماعات تنسيقية، وفرز لجنة للتنسيق، وإصدار بلاغات تضامنية، وفتح قنوات التواصل مع السلطات المحلية من أجل تيسير عملية جمع الدعم من الساكنة ومن المتاجر والمساحات الكبرى ومختلف المحسنين.
أشكال التعبئة هذه، وفق بوخريص، لم تخلُ من ظهور نتائج غير منتظرة، تمثلت في حدوث انفلاتات وتجاوزات، من خلال انتعاش الاخبار الزائفة، ومختلف أشكال التحايل، الرقمي والواقعي، سواء تعلق الامر باستيلاء بعض الأشخاص على مواد استهلاكية وسلع تموينية مقدمة في إطار المبادرات التطوعية والعمليات التضامنية مع ضحايا الزلزال، أو تجاوز بعض المؤثرين على شبكات التواصل الاجتماعي للضوابط الأخلاقية في تعاملهم مع ضحايا الزلزال او في النزوع الاجرامي الذي كشف عنه بعض الأشخاص في تعاملهم مع ساكنة المناطق المتضررة بالزلزال، خصوصا الفتيات والأطفال.
برنامج استعجالي وإعادة تأهيل
ساهم إصلاح الطرق، التي تمثل العصب الأساسي للنشاط الاقتصادي، عقب زلزال الحوز، بشكل كبير، في عودة الحركة التجارية وتعزيز الاقتصاد المحلي، خاصة الأنشطة السياحية، مما انعكس إيجابا على المقاولات المحلية والمهن الصغرى.
ويعتبر مشروع تأهيل الطريق الوطنية رقم 7 الرابطة بين تحناوت وتارودانت، خصوصا المقطع الرابط بين وبركان وثلاث نيعقوب، أحد الأوراش الأساسية للبرنامج الاستعجالي لإعادة تأهيل إقليم الحوز، بهدف إعادة بعث الدينامية الاقتصادية والاجتماعية والسياحية في المنطقة.
ويكشف رئيس قسم التجهيز بإقليم شيشاوة، أورايس الهاشمي أنه، في أعقاب الزلزال، "تمت تعبئة كافة المتدخلين على كل المستويات من أجل تسريع إعادة الإعمار وإعادة تأهيل البنيات التحتية، وكذا إعادة إسكان المتضررين".
وفي هذا الصدد، تم إحداث لجنة إقليمية لتتبع عملية إعادة الإعمار عن كثب بتنسيق مع كافة الأطراف المعنية، حيث بذلت، منذ الأيام الأولى التي أعقبت الزلزال، جهود جبارة، تحت إشراف السلطات الإقليمية، من أجل استكمال مختلف المشاريع المفتوحة، وضمان إعادة إسكان المتضررين في المواعيد المحددة، وفك العزلة عن الدواوير المعزولة، وإعادة تأهيل وتعبيد الطرق.
وتتواصل في إقليم شيشاوة عملية إعادة إعمار المنازل، المنهارة كليا أو جزئيا إثر زلزال 8 شتنبر 2023، على نحو دؤوب، وفي ظروف جيدة، بفضل الالتزام المستمر للسلطات المحلية والانخراط الفعال للمصالح المعنية والمجتمع المدني.
وتبذل جهود كبيرة من أجل تنفيذ البرامج المعتمدة على المستوى المركزي والإقليمي، وخاصة تلك المتعلقة بإعادة بناء المنازل المتضررة، وإعادة إيواء السكان، وكذا إعادة تأهيل وتجديد المدارس والمراكز الصحية المتضررة بفعل الزلزال.
أسر تقطن الخيام
رغم الجهود المبذولة، وحسب معطيات السلطات المحلية على مستوى إقليم تارودانت، مثلا، فإنه من بين 15 ألف و394 أسرة تهدمت مساكنها أو تضررت، فإن 3 آلاف و825 أسرة تقطن حاليا في الخيام.
بينما كشفت السلطات الاقليمية بالحوز أن 8187 أسرة من ضمن 27 ألفا و205 أسر أنهارت منازلها أو تضررت على مستوى إقليم الحوز، ما زالت تقطن بالخيام، وذلك بنسبة 30% من الأسر المتضررة.
وترى البرلمانية عائشة الكوط، عضو المجموعة النيابية للعدالة والتنمية، أن الحكومة فشلت فشلاً ذريعاً في تدبير تبعات زلزال الحوز، مما أدى إلى استمرار معاناة الساكنة حتى الآن، موضحة، في تصريح أدلت به قبل شهرين، أن الحكومة تدعي أنها حلت أكثر من 90% من مشاكل المتضررين، بينما الواقع يثبت عكس ذلك، إذ أن ساكنة المنطقة باتت تحتج أمام العمالات والقيادات والبرلمان.
وشددت الكوط على أن المشكلة لا تزال قائمة وتحتاج إلى مواجهة جريئة، موجهة اللوم إلى سوء الحكامة في تدبير الملف من قِبل الحكومة، داعية رئيس الحكومة لزيارة المناطق المتضررة ليشاهد الضرر والفوضى بنفسه، حيث ما زالت العديد من الأسر تقطن في الخيام.