من الدال إلى الراء.. هل ينجح ميداوي فيما فشل فيه ميراوي؟

 من الدال إلى الراء.. هل ينجح ميداوي فيما فشل فيه ميراوي؟
آخر ساعة
الجمعة 25 أكتوبر 2024 - 15:41

بعد انتظار طويل وتكهنات متضاربة، كشف الستار أخيرا عن التعديل الوزاري الذي ترك بعض الوزاراء في مناصبهم، بينما غادر آخرون المشهد.

ومن بين من غادروا حكومة أخنوش الأولى وزير التعليم العالي السابق عبد اللطيف ميراوي، بعد أن خلفه عز الدين الميداوي، الذي يُنظر إليه باعتباره بارقة أمل، خاصة بالنسبة لأزمة طلبة الطب، التي استمرت لشهور.

وستحمل الأيام القادمة، في الغالب، إجاباتٍ عن أسئلة من قبيل: هل يشكل فعلا تغيير ميراوي بميداوي نهاية للأزمة؟ هل كان ميراوي هو العقبة الحقيقية في المفاوضات مع الطلبة؟ ما هي الحلول الجديدة التي يمكن أن يقدمها الميداوي؟

ميداوي.. مسار متميز

لا أحد يستطيع أن يجادل بخصوص مسار ميداوي الأكاديمي المتميز، وتدرجه في المناصب بشكل سريع نظيرَ كفاءته، مما أوصله أخيرا لرئاسة جامعة ابن طفيل (2014- 2022)، كما سبق له أن كان رئيسا لمؤتمر رؤساء جامعات المغرب.

ميداوي هو أيضا عضو في المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، كما أنه منخرط في منتدى كفاءات إقليم تاونات، وهو عبارة عن جمعية تضم شخصيات سياسية وثقافية وإعلامية وفنية، كما تضم وزراء سابقين يجمعهم رهان الترافع من أجل تنمية كافة تراب إقليم تاونات.

حصل الميداوي على شهادة الدكتوراة في الكيمياء من إحدى الجامعات الفرنسية، قبل أن يبدأ مساره المهني  في التعليم العالي من خلال اشتغاله كأستاذ جامعي في جامعة محمد الخامس بالرباط، ثم انتقاله إلى مدينة القنيطرة أستاذا، قبل أن يتقلد منصب عميد لكلية العلوم، وبعدها رئيسا لجامعة ابن طفيل.
إن كان هذا على الصعيد الأكاديمي، فهل يمكن لميداوي، كرجل حوار وتفكير، أن يكون هو من سيضع حدا للأزمة؟

وزير قادر على الإصلاحات؟

يبدو ميداوي، بخبرته العلمية، مناسبا تماما لفهم احتياجات الإصلاح في التعليم العالي، وخاصة في القطاع الطبي، كما أن قدرته على قيادة مشاريع بحثية دولية والحصول على تمويل للمبادرات الأكاديمية توضح فهمه للقضايا المعقدة التي تواجه التعليم والبحث.

إلا أن المهمة التي تنتظره لا تقتصر على إدارة البرامج الأكاديمية فقط، بل، قبل كل شيء، يجب أن تلبي التوقعات الملحة لطلاب الطب.

السؤال الذي يطرح نفسه بقوة: هل سيتمكن ميداوي من استعادة الثقة مع الطلاب؟ فمن ناحية، قد تعمل سمعته كمدير منفتح على الحوار لصالحه.

لكن، من ناحية أخرى، فإن تعقيد القضايا التي يتعين معالجتها لا ينحصر فقط في الشخصية أو الخلفية الأكاديمية، وسيتعين إحداث إصلاح عميق وجذري لتجاوز الإشكالات.

حل سحري فعلا؟

إذا كان وصول وزير جديد إلى مكتب وزارة التعليم العالي والبحث العلمي يبعث بصيص أمل لطلبة الطب، فهذا لا يعني، بالضرورة، أنه حل فوري لمشاكل طلاب الطب.

سيكون من الخطأ جدا الاعتقاد أن الوضع سوف يتغير بين عشية وضحاها لمجرد تغيير شخص بشخص، وإذا كان الوزير السابق هو السبب، إلى حد ما، في نظر البعض إلى انسداد المفاوضات، فمن المؤكد أنه لم يكن وحده أصل الاختلالات البنيوية، وأنه كان واحداً من التروس في آلة أكبر: آلة الحكومة ككل.

هذا يعني ببساطة أن رحيل الوزير، مهما كان استراتيجيا، لا يضمن التغيير الجذري إذا لم تتبعه سياسات موضوعية.

إن الضغط الديموغرافي المتزايد في الجامعات، مع الزيادة في عدد الطلاب ووضعية البنية التحتية وأعضاء هيئة التدريس، بشكل غير متناسب، هو نتيجة للإدارة الحكومية التي لا يبدو أنها توقعت الاحتياجات الحقيقية للقطاع.

لا شك أن خطة تدريب المزيد من الأطباء لتلبية الطلب المتزايد على الرعاية الصحية تستحق الثناء من الناحية النظرية، ولكنها قد تؤدي إلى انحدار كبير في جودة التعليم، على الأقل وفقا للطلاب أنفسهم.

شجاعة سياسية ورؤية واضحة

هذا يعني ببساطة أن عز الدين ميداوي يرث عبئا ثقيلا، وسيتعين عليه أن يتعامل مع إدارة تعمل وفقاً لديناميكيات جامدة في كثير من الأحيان، وثقافة حكومية تُتهم أحياناً بالجمود.

 الإصلاحات التي يتحدث عنها الطلاب لا تقتصر على سنوات التدريب فقط، ولا على شرط العدد، بل تتعلق برؤية شاملة لكيفية رؤية الحكومة للتعليم الطبي، وعلى نطاق أوسع، للاستثمار في الصحة العامة.

بالنسبة للعديد من المراقبين، فإن رحيل ميراوي هو مجرد خطوة واحدة من بين العديد من الخطوات الضرورية، وهو ما يمنح خلاصة واضحة تعني أنه لا يمكن لرجل واحد أن يحل جميع المشاكل، وسيتطلب الأمر إرادة سياسية قوية ونقلة نوعية على جميع المستويات حتى يتمكن طلاب الطب من تحقيق الرضا.

في كل الأحوال، يشكل تعيين عز الدين ميداوي نقطة تحول مهمة، لكنه لن يحل الأزمة وحده، وسيكون عليه أولا فتح باب حوار ناضج رزين، وقبل كل شيء: اقتراح إصلاحات ملموسة تتكيف مع الواقع المغربي، وهو ما يتطلب شجاعة سياسية ورؤية واضحة وطويلة الأمد.