يثير اسم زينب العدوي الكثيرَ من ردود الفعل في نفوس المغاربة، باختلاف مواقعهم، فهو يوحي بالأمان وباسترجاع الحقوق من جهة، كما يوحي بالخوف أيضا بالنسبة لمن امتدت أياديهم إلى المال العام.
تهتزّ جدران الإدارات إذ تسمع أن لجنة من المجلس الذي ترأسه العدوي، المجلس الأعلى للحسابات، قادمة لمراجعة ما تمّ صرفه، وكيف تمّ صرفه، وفي انتظار النتيجة النهائية تبقى الأيادي على القلوب، ويبقى اسم زينب العدوي حاضراً وبقوة على أية حال.
هي امرأة مغربية تقلدت منصباً حسّاسا لم تسبقها إليه امرأة أخرى، أو حتى لمنصب يشبهه، بعد أن نالت ثقة الملك محمد السادس فعينها على رأس المجلس الأعلى للحسابات في مارس من سنة 2021.
مسار حافل
في الحقيقة فإن مسار العدوي عموما، عبارة عن تعيينات ومناصب كانت سبّاقة فيها في المجمل ولا يتعلق الأمر فقط برئاسة المجلس الأعلى للحسابات.
ازدادت السيدة زينب يتاريخ 2 أبريل 1960 بالجديدة، وتابعت دراستها بتفوق إلى أن حصلت على دبلوم الدراسات المعمقة في العلوم الاقتصادية، من جامعة محمد الخامس بالرباط .
ومنذ اختيارها هذا التخصص، بدا واضحا أن هاجسها الأول هو كيفية حماية المال العام، حيث تولت سنة 1984 منصب أول قاضية للحسابات، كما أنها صاحبة دكتوراه حول موضوع " “مجلس الحسابات المغربي: من مراقبة المشروعية إلى مراقبة جودة الأداء، أية فعالية؟“.
تقلدت زينب العدوي سنة 2004 منصب رئيسة المجلس الجهوي للحسابات بالرباط، قبل أن تعيّن سنة 2010 عضوا في اللجنة الاستشارية للجهوية، كما نالت عضوية المجلس الوطني لحقوق الإنسان منذ 2011 والهيئة العليا للحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة منذ 2012.
عين الملك محمد السادس العدوي، سنة 2014، في منصب والي جهة الغرب -شراردة -بني حسن، عامل إقليم القنيطرة، قبل أن تحظى بثقته مرة أخرى إذ عينها واليا على جهة سوس -ماسة، عاملا على عمالة أكادير -إداوتنان بتاريخ 13 أكتوبر 2015، ثم واليا مفتشا عاما للإدارة الترابية في 25 يونيو 2017.
أوسمة وتكريمات
كان طبيعيا جدا أن يتوّج هذا المسار الحافل بأوسمة وتكريمات، كان أعلاها ذاك الذي حصلت عليه العدوي من طرف الملك محمد السادس، وهو وسام المكافأة الوطنية من درجة ضابط كبير سنة 2013.
حصلت زينب أيضا على جائزة التميز سنة 2014 من المنظمة الدولية منتدى المفكرين العالميين (globalthinkers) في صنف الوظيفة العمومية.
وباعتبارها امرأة متميزة تقلدت مناصب يندر أن تتولاها امرأة حازت العدوي على جائزة المرأة القيادية الإفريقية “أول أفريكا ليدرشيب فيمينان”، التي تتوج النساء الأفريقيات الرائدات في مجالات اشتغالهن.
وفي ذات السياق دائما، حصلت على شهادة البرنامج الأمريكي للزوار الدوليين "النساء الرئدات في ميدان الاقتصاد والأعمال"، إضافة إلى شهادة المراقبة المندمجة من مكتب مصالح التدقيق الكندي.
في مارس من سنة 2022، وشحت هيلين لوغال، سفيرة فرنسا بالمغرب، زينب العدوي، بوسام فارس جوقة الشرف برتبة فارس.
وجاء في بلاغ للسفارة الفرنسية أن "المسيرة المهنية لزينب العدوي سجلت ارتقاء رائعا لامرأة ذات عزم، وقد تبوأت أعلى المناصب في بلدها بفضل جهدها وموهبتها".
طاقة ونشاط
لا تكتفي العدوي بالمناصب الرسمية التي تتقلدها، وترنو دائما إلى أنشطة ومجالات تمنح حرية أرحب تعبر فيها عن مطامحها وطموحتها، حيث تنشط في منتديات "نساء مغربيات من هنا وهناك" (بروكسيل ومونريال وأبوظبي) التي ينظمها مجلس الجالية المغربية المقيمة بالخارج.
كما تشارك بشكل منتظم في تكوين أطر الإدارة الترابية، والمنتخبين والمنتخبات، في إطار برنامج التكوين والتكوين المستمر لوزارة الداخلية.
نشّطت زينب العدوي عدة دورات وورشات عمل خصوصا في مجال مراقبة المالية العمومية والتدبير والتدقيق.
ترى العدوي أن الحلول ليست في كثرة المراقبة الإدارية والعقاب لكن المراقبة الذاتية هي المطلوبة، وهي ترى من واقع الدراسة والخبرة "أن كل ما تدعو إليه المراكز الدولية في مجال مراقبة المال العام موجود عندنا، فأول من أسس مفهوم التصريح بالممتلكات ونظام المشاطرة هو عمر بن الخطاب، فالشيء الذي ليس ملكا للوالي يرجع إلى بيت المال".
تحثّ زينب العدوي كثيرا على ضرورة الاستثمار في الثروة البشرية خاصة في فئتي الشباب والمرأة، ولا تكفّ عن البحث عن فرص استثمارية داخل المغرب وخارجه خدمة للجهة التي كانت تتولى المسؤولية داخل مجالها الترابي.
لدى العدوي رؤية خاصة لعلاقة الدولة بالمواطن تلخصها بالقول "يشعر المواطن بالاطمئنان عندما يجد أن الدولة قريبة منه وتستمع لمتطلباته ومعاناته وتلبي احتياجاته، والمال العام لا يستباح بل يذهب فيما ينفع".
يد من حديد
تتميز العدوي بالصرامة الشديدة فيما يتعلق بالمال العام الذي حملت على عاتقها مهمة حمايته منذ بدايات تكوينها وتقلدها المناصب، الواحد تلو الآخر، وتتخذ من أجل ذلك قرارت تضرب بيد من حديد على الراغبين في استغلال مناصبهم من أجل الاغتناء بالمال العام.
ورغم ملامحها الوديعة وابتسامتها التي قلما تفارق شفتيها، إلا أنها عندما يتعلق الأمر بالصالح العام تصبح قاسية ولا تجامل في تقارير مجلسها التي ترفع إلى أعلى سلطة في البلاد.
ولدى العدوي إلى جانب كل هذا قدرة واضحة على التواصل، وكمثال على ذلك قيامها بجولات في شوارع المدن التي تولت ولايتها، وحوارها بشكل مباشر مع المواطنين في أكثر من مناسبة.