نزلت دعوة الملك للمغاربة إلى تجاوز شعيرة النحر هذه السنة في عيد الأضحى برداً وسلاماً على فئة كبيرة جدا من المواطنين ممن كانوا يحملون همَّ وهاجس اقتناء الأضحية، وتنفس الكثيرون الصعداء استبشاراً بهذا القرار.
هاجس يعرف المغاربة جميعاً أنه تجاوز جانبه الديني، الذي لا يعدو كونَه سنة مؤكدة، إلى جانب مجتمعي حوله إلى فرض قاهر، لا مناص منه، أدى، ويؤدّي، فعلاً، إلى كوارثَ مجتمعية.
ولقد أشارت الرسالة الملكية بوضوح إلى هذه الجزئية، حيث جاء فيها أن القيام بشعيرة النحر "سيلحق ضررا محققا بفئات كبيرة من أبناء شعبنا، لاسيما ذوي الدخل المحدود".
ولأن عيد الأضحى ليس نحراً فقط، فقد كانت الرسالة الملكية واضحة، وأكدت على ضرورة ممارسة باقي الشعائر بالشكل المعتاد، كي لا يُفهم أن الأمر يتعلق بـ"إلغاء" مناسبة دينية كاملة.
وقد تم اختيار توقيت الرسالة الملكية بعناية شديدة، حيث يمكنهم أن يمارسوا شعائر شهر رمضان الأبرك براحة نفسية أكبر، وعدم حمل هاجس الأضحية منذ الآن، وهو ما يحدث كل عام كما هو متعارف عليه، حيث يبدأ المواطن البسيط التفكيرَ في توفير الأضحية، مباشرة بعد انقضاء رمضان، وذلك من خلال الجملة الشهيرة "قرون الحولي كاتبان ف آخر زلافة ديال الحريرة" !
استقبل المغاربة الخبر والرسالة الملكية، إذن، بالكثير من الترحيب، لأنهم يفهمون ما يعنيه ذلك، ولأن ذلك سيحررهم من ضغط مجتمعي خانق، وسيجعل عدم اقتناء الأضحية "فعلاَ عاديا"، وليس عيبا ومعرّة تلاحق أرباب الأسر طيلة أيام العيد وأسابيعه.
بغض النظر عن الأسباب الاقتصادية الواضحة، فأنْ يقرر الملك النحر عن المغاربة في سنة جفافٍ حاد، لهوَ عين العقل وحسن التدبير، ولفهم أهمية ذلك يمكن ببساطة تخيل الوضع لولا هذا الإلغاء.
يمكنك أن تتخيل الأسعار الملتهبة التي كان سيعرفها سوق الماشية، والجحيم الذي كانت ستعيشه الأسر من أجل توفيرها، إضافة إلى النتائج الكارثية على أعداد القطيع في المغرب ككل، خصوصا أنه لا أحد يستطيع أن يجزم بالمناخ الذي ستعرفه بلادنا في السنوات المقبلة.
ولعل الميزة والتفرد المغربي يكمن فعلا في الرسالة الملكية التي صدرت بصفة الملك أميراً للمؤمنين، "ساهراً على إقامة شعائر الدين وفق ما تتطلبه الضرورة والمصلحة الشرعية"، وأنه سيقوم بذبح الأضحية نيابة عن الشعب، مذكرا بأن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى فعلا عن غير القادرين من أمته.
وما يميز المغرب أكثر أنه كان سباقا إلى هذه المبادرة في زمن الملك الراحل الحسن الثاني، ولنفس الأسباب تقريبا، ودائما كان يتقبل المواطنون القرار بصدر رحب، لأنهم أول من يتحرر من الضغط الذي تفرضه هذه الشعيرة "مجتمعيا"، وماديا.
ولأهمية هذا القرار وكونه يؤثر على شريحة كبيرة من الشعب، فمن الواضح أن المؤسسة لم تتخذه إلا بعد اطلاع واضح على الأوضاع من مختلف الجوانب، وإلا فلو أن الأمر يتعلق بمجرد إلغاء عابر، فإن زمن "كورونا" كان سيكون أولى بالإلغاء.
لكن، ورغم صعوبة الوضع حينها، إلا أن إمكانية النحر كانت متوفرة، وفعلا مر العيد في أجواء شبه عادية، أما الآن فإن التأثيرات القبلية والبعدية لهذه الشعيرة ستكون قاسية جدا على الجميع.