بائع السمك وحكاية النسيان الجماعي

 بائع السمك وحكاية النسيان الجماعي
عبد الكريم ساورة
الأحد 2 مارس 2025 - 13:47

وأنا أتابع مجريات الأحداث المتتابعة للشاب الملقب " مول الحوت " شعرت بالخجل، بل كل الخجل والاشمئزاز من شريحة واسعة من المتابعين له، منهم مثقفين ومتعلمين وأناس أعوام كلهم يناصرونه بشكل غير مشروط ويدعون له بالتوفيق والسداد كأنه داخل في امتحان مصيري أو كمن يريد أن يجري عملية جراحية خطيرة ويحتاج للدعاء المستجاب.

المسألة ليست بهذا التأليف المبني على الصدفة والإخراج الذي يعتمد على الهواة في تنزيله على أرض الواقع، المسالة أيها الفضلاء أعمق وأكبر من ذلك بكثير، فالواقعة لايمكن أن ننظر إليها بهذه البساطة ومحاولة جرجرتها على الأرض بواسطة أسلوبي الصراخ والسب والتنديد والتدوينات الجارحة للمحتكرين لمادة السمك عبر وسائل التواصل الاجتماعي ولكن بعد ساعات أو أيام يصيبها النسيان فتموت القضية ويموت معها أهم شيء : هو الأمل ، الأمل في تحقيق التغيير المنشود.

دعونا نرجع إلى الوراء ، إلى التاريخ القصير، إلى الماضي القريب جدا جدا،من يتذكر منكم الشاب محسن فكري 28 أكتوبر 2016 الشاب الذي تداولت وسائل الإعلام حادثة مقتله  بعد أن تم رمي أسماكه في شاحنة نفايات وبعد صرخته المدوية خرج كل أبناء الريف وبناته ورجاله ونساءه ينتصرون له ويدافعون عن قضيته والتي عرفت أكبر إنزال وتصعيد لم يسبق لهما مثيل في تاريخ المسيرات .

لقد كنتم من المتابعين جميعا لحلقات هذا المسلسل الرهيب وكيف تم نسيانه بسرعة وبأبطاله جميعا وكيف انتهت حلقات هذا الخروج الكبير بأصحابه ؟ يالها من دراما يقشعر لها البدن عندما نحاول فقط تذكراها أو تسليط الضوء عليها من جديد، ونفس الشيء مع السيدة الشهيرة المعروفة ب " مولات البغرير " التي حصد الآلاف من المتابعين والمتعاطفين ومناضلي اللحظة والكتبة والمدونين والغيورين بسبب الحشد الإعلامي ومع كل هذه الأطياف التي كانت تصرخ وتلعن وتطالب بالعدالة فقد رجعت كلها في لحظة إلى الوراء وفي الأخير رفعت أكفها إلى الله أن ينزل العقاب من عنده لأن عدالة الأرض لن تتحقق أبدا اليوم نعيش نفس السيناريو مع شاب آخر هذه المرة في جنوب المغرب وليس في شماله كالسابق، يقول وبصوت مرتفع أنه يريد أن يكون في صف الفقراء وأن ينتصر لهم بعد أن خذلتهم حكومة  الباطرونا التي لاتفكر سوى في التوازنات المكارواقتصادية ولا يهمها التوازن المجتمعي، هذا الشاب كان يصرخ بأعلى صوته  من أجل أن يقول للناس الغلبة الحقيقة، والحقيقة كما يقول المفكر الالماني نيتشه مزعجة نعم مزعجة، لأنها ستهدم كل التصورات السابقة، لكن الناس هل تستطيع أن تفعل أي شيء عندما تعرف أن ثمن السردين يخرج من الميناء بأربعة دراهم  معدودات ويتم بيعه بدون وجه شرع ب 25 درهما ؟

الحقيقة أن الناس لاتستطيع فعل أي شيء، لأنها ببساطة عاجزة عن المقاومة ، وهي تشعر بالضعف والمهانة وقد أصبحوا يتلذذون كل يوم بمعاناتهم ، فهم لايحتاجون لأحد أن يقول لهم الحقيقة فهم يعرفونها جيدا،ويغرفون قصة السوق ونظام السوق، إنهم على اطلاع تام وبالفطرة والتجربة والمعاش اليومي أن السوق يعني القوة والمال والسطوة والغلبة والمنافسة الشرسة والجميع يعرفون جيدا نظام اللعبة وهي إما البقاء أو الموت، يعني الخروج مفلسا أو مهانا أو مكسورا من السوق، ولهذا عليك أن تكون مستعدا لكل هذه الاحتمالات وبصدر رحب، لهذا فرجال المال لايعرفون  معنى الرحمة.

السؤال المر الآن : هل هذا الشاب اليافع يتوفر على هذه الشروط القوية للدخول إلى هذا السوق المرعب ؟

كلكم تعرفون الجواب مسبقا، وكلكم تحاولون الرهان منذ البداية على أرنب سباق في هذا الصراع الخطير، كلكم جميعا تنتظرون بطلا ولو كان من ورق ليقول لكم الحقيقية التي تعرفونها وأنتم تغلقون آذانكم، كلكم تنتظرون ضحية جديدة كالسابقين ليقدم نفسه قربانا من أجلكم، ياللعار تم ياللعار من طريقتكم في البحث عن حل لأعطابكم وعجزكم وعن خلاص نهائي من خصومكم حتى لاأقول أعدائكم.

أتعرفون ماهي مشكلتكم الحقيقية ؟ ببساطة هو النسيان الجماعي لكل ماحدث من أحداث مشابهة لكم ولم تتعلموا الدرس جيدا، في كل مرة تراهنون على حصان طروادة لإنقاذكم ولكن فقط في أذهانكم .

أقولها لكم وللمرة الألف أن التغيير ومواجهة  لوبي الفساد بالبلاد، لن ولن يكون عملا فرديا،ننتظر بالصدفة مواطنا بريئا وبسيطا ليكشف لنا المستور ويدافع عنا جميعا بالوكالة، هذا ضرب من الوهم ، هذا تعبير جلي عن غياب المسؤولية والإحساس بالمواطنة، فالتغيير هو عمل مجتمعي وقرار جماعي بناء على وعي بما يجري و ما يحدث ، ومواجهة هذا الفساد أو توغله لايتم بواسطة الصراخ والعويل والتدوينات التي لايقرأها  سوى بضعة أفراد وإنما بالجرأة المطلوبة والعمل المؤسسي، سواء ثقافيا أو فكريا أو سياسيا أو حقوقيا أو جمعويا،أو أي طريقة مشروعة قانونيا في فضح الفساد وتعريته، والأهم في هذه المعركة

الشرسة هو التحرر من الخوف ونكران الذات، نعم نكران الذات هو المدخل الحقيقي لكل تغيير، وبدونه سنظل ندور في حلقة مفرغة، لأنه ببساطة التغيير هو مطلب الجميع، أما البحث في كل مرة عن ضحية جديد فهذا لا محالة سيجعلنا ننتظر طويلا في قاعة الانتظار، سنحاول بطريقتنا المعتادة أن ننسى، أن نتحمل ونحن نتألم جميعا، أن نتكيف ونساهم في اللعبة القديمة الجديدة كأن شيئا لم يحدث، إنها معضلتنا التي تعلمنا كيف نعيش معها كل هذه السنين مع الأسف الشديد، احذروا الذاكرة فإنها لاترحم، مثلها مثل التاريح.

كاتب صحافي مغربي