ليس أصعب على المغترب، إضافة إلى الغربة نفسها، من أنْ يشعر أنّ وطنه لا ينظر إليه إلا كوسيلة لجلب العملة الصعبة.
وعموما، فإن حب الوطن أمر لا يقبل المساومة، لهذا وبعد سنتين من الغياب على الأقل، بسبب الجائحة، لوحظ بشكل واضح تأثير عودة المغاربة المقيمين بالخارج هذا الصيف على الحياة الاقتصادية والتجارية للبلاد، مما يؤكد مكانتهم في سيرورة تنمية البلاد ونموها.
وعلى الرغم من أن مغاربة العالم لم يتمكنوا من القدوم إلى المغرب، بسبب إغلاق الحدود، إلا أن زخمهم التضامني لم ينقطع طوال فترة الأزمة المرتبطة بكوفيد-19. وتشهد على ذلك تحويلاتهم المالية المتصاعدة والمتجاوزة لكل التوقعات، والماضية في تعزيز احتياطيات النقد الأجنبي.
وبشكل عام، يساهم المغاربة المقيمون بالخارج في اقتصاد المملكة عن طريق التحويلات المالية ومداخيل السفر والأنشطة المتعلقة بالاستثمار في قطاعات معينة من الاقتصاد الوطني، مع توفير مهاراتهم وخبراتهم.
أمرٌ يحسب لهم، وينبغي أن يجد في مقابله الكثير من رد الجميل والاعتبار، إضافة إلى الاحتفاء الحقيقي، بعيدا عن الاحتفاء الفولكلوي الذي تنظمه بعض المؤسسات الخاصة أو حتى العمومية.
المؤسسات العمومية التي تقول، طبعا، أن كل شيء يسير بخير وأن مغاربة العالم سعداء بكل ما يقدم إليهم من خدمات، لكن في المقابل لا يلتفت أحد إلى الكثير والكثير من شكاواهم التي يوجهون بعضها إلى المؤسسات، ويكتفون بوضع بعضها على وسائل التواصل الاجتماعي لإسماع صوتهم
التحويلات المالية: الجسد هناك والقلب هنا
حافظت التحويلات المالية لمغاربة المهجر على وتيرة ثابتة على الرغم من الصعوبات المختلفة الناجمة عن سياق الأزمة الصحية والتي لم يسلم منها أي ركن من العالم، بل الأكثر من ذلك، سجلت هذه التحويلات زيادات هائلة.
وتؤكد الإحصائيات الأخيرة الصادرة عن مكتب الصرف، مرة أخرى، هذا المنحى القوي بما أن تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج ارتفعت، عند متم يونيو، بأكثر من 15.18 مليار درهم، مقارنة بمستواها في 2018.
وخلال النصف الأول من هذه السنة، وصلت تلك التحويلات إلى 47.04 مليار درهم، مقابل 44.33 مليار درهم قبل سنة، وبذلك بلغت الزيادة 6.1 في المائة، مما يؤمن للمغرب هامشا كبيرا من احتياطيات العملة الصعبة.
كل هذا يؤكد أن مغاربة العالم متشبثون بحبّهم للوطن وأهله، بغض النظر عن معاناتهم على أكثر من مستوى، مثل ما يحدث في بعض القنصليات من بيروقراطية وبطء في قضاء المصالح، أو غياب من يستمع إلى شكاواهم.
اهتمام على الورق.. ماذا عن أرض الواقع؟
على الورق، يبدو أنه تم اتخاذ عدة مبادرات لتشجيع استثمارات المغاربة المقيمين بالخارج داخل المغرب ومنحهم، بالموازاة مع ذلك، الخدمات وآليات التحفيز اللازمة، بما في ذلك على وجه الخصوص منصات التوجيه والمعلومات لفائدة حاملي المشاريع الراغبين في الاستثمار بالمغرب.
كما يتعلق الأمر بإرساء آليات رقمية تتيح إجراءات مبسطة وعلى الإنترنت بنسبة 100 في المائة، وتمكن خصوصا من الحصول على معلومات حول الإجراءات والحوافز المتعلقة بالاستثمار، وإطلاق المشاريع وتتبع تقدمها.
لكننا جميعا سمعنا أكثر من حكاية هنا وهناك عن عدد كبير جدا من المستثمرين الذين خسروا كل ما يملكون لأسباب مختلفة، كالبيروقراطية أو الرشوة أو غيرها.. ولعل مواقع التواصل تمتلئ بالعشرات منها.
يحتاج الأمر إلى أكثر من مجرد شعارات فولكلورية، وإلى تطبيق حقيقي يسفر عن قصص نجاح مغاربة عادوا إلى أرض الوطن، مثلما نقرأ عن مغاربة ناجحين في دول أخرى.
إن نجاح أي عملية أو مبادرة، لا يحتاج إلى الكثير من التهليل إعلاميا، لأنه في الغالب يتحدث عن نفسه، ويمكن لمسه بسهولة على الألسن التي تتناقله.
وعموما، فإنه لا يمكن أن ننكر بعض مجهودات الدولة التي تقدمها في سبيل تيسير عودة الجالية، أو استثمارها في الوطن، إلى غير ذلك.. لكن، من المؤكد أن الشكاوى كثيرة جدا، وأن الآذان التي تصغي لها نادرة جدا، لهذا كان لا بد من الانتقال من مرحلة التنظير أو المديح المبالغ فيه إلى مرحلة التنزيل وجعل الاهتمام بمغاربة العالم حقيقة واقعة.