قد يحتاج الأفارقة إلى فرنسا، لكنهم لا يحبونها.
أرغمت فرنسا إفريقيا منذ عقود، بل منذ قرون، على أن تبقى أجزاء كبيرة منها خاضعة لها، بحكم القوة والهيمنة، رغبة في السيطرة على مقدراتها وخيراتها، وهو أمر لا يحتاج لأحد أن يؤكده ما عدا التاريخ..
والتاريخ يشهد بما ارتكبته فرنسا في فترات استعمارها لأكثر من جزء في القارة التي لا تكاد تنتهي خيراتها.
يعود تاريخ الهيمنة الفرنسية على إفريقيا إلى القرن 17، حين بدأت باريس في احتلال مناطق من القارة واستغلال ساكنتها المحلية، عبر إنشاء أول مراكزها التجارية في السنغال، لتتوالى لاحقا الحملات على بعض الدول الأخرى، إلى أن احتلت الجزائر سنة 1830، ثم تونس وأجزاء من المغرب.
ورغم استقلال معظم هذه الدول، إلى أن النهم الفرنسي لم يتوقف، فبعد نحو سنة من وصوله قصر الإليزيه، وتقلّده منصب رئاسة فرنسا، أي سنة 2013، قال الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند، إن فرنسا، مع أوروبا، "تود أن تكون أكثر مشاركة في مصير إفريقيا"، ولا يحتاج هذا الكلام إلى كثير تفسير.
وفي مارس من سنة 2008، صرح الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك قائلاً: "دون إفريقيا، فرنسا ستنزلق إلى مرتبة دول العالم الثالث"، وهو تصريح يكشف أهمية الدول الإفريقية لدى فرنسا خاصة من الناحية الاقتصادية.
ولم يكن فرانسوا ميتران ليخرج عن هذا النسق العام في التصريحات، حيث قال سنة 1957، قبل أن يتقلد منصب الرئاسة "بدون إفريقيا، فرنسا لن تملك أي تاريخ في القرن الواحد والعشرين".
يرى سيري سي، الخبير الاقتصادي والاستراتيجي، السنغالي، في حديث سابق لوكالة الأناضول، أن عقودا من الزمن انقضت على استقلال مجموعة من الدول من الاستعمار الأجنبي، "ومع ذلك، لازالت تضخّ، عبر مصارفها المركزية، 50 % من احتياطاتها من العملة، في الخزينة الفرنسية، وفقا لبنود المعاهدة الاستعمارية السارية رغم عدم الإفصاح عن تفاصيلها رسميا من جانب باريس".
كما أبدى المتحدث أسفه حيال الوضع الراهن، معتبرا أن "انتزاع الأملاك" و"وروح العبودية"، "لا تزال من العناصر التي تشكّل أسس السياسة الفرنسية، وأنّ من تداعيات ذلك إعاقة تقدم مستعمراتها السابقة والتي تعتبرها مجرّد حديقة خلفية لها".
وكشف سيري أن هذا الوضع يرتكز إلى معاهدة ببنود علنية وأخرى سرّية لا تزال توجّه العلاقات الفرنسية الافريقية، وتخدم مصالح الطرف الأقوى في المعادلة، على حساب مصالح البلدان والأمم الافريقية، "رغم أنّ تلك المعاهدة وقّعت في عصور أخرى تجاوزها الزمن، لكنها لا تزال تفرز عبودية تفرضها معاهدة مشدودة إلى أداة قانونية قديمة، تنفيها باريس بشكل قاطع، رغم تجلّياتها الواضحة".
فعلاوة على حصّة الـ 50 % التي تضخّها البلدان الإفريقية بالعملة الصعبة في خزينة الدولة الفرنسية، يضيف المتحدث، "فإنّ خضوع عملات تلك البلدان (الفرنك الافريقي) لمراقبة باريس، يضمن للأخيرة الحصول حصريا على الصادرات الإفريقية من المواد الأولية المحلية، وإنعاش السوق المحلّية بمختلف الواردات، إلى جانب رسم السياسات التي سيتم اعتمادها مع البلدان الافريقية بهذا الشأن".
كما كشف سانو مباي، الخبير الاقتصادي والموظف السابق في البنك الإفريقي للتنمية، لذات الوسيلة الإخبارية أن فرنسا استثمرت هذه الاحتياطات التي تمثل عشرات المليارات من الدولارات، في شكل سندات مالية تلجأ إليها، في وقت لاحق، كضمانات لقروض تستخدم في سد عجزها المالي.
كما أوضح أن النسبة كانت تعادل 100 % خلال الفترة الفاصلة بين ما بين 1945 و1975، "وقد حرصت الدول المعنية على تطبيقها بانضباط، إلى أنّها انخفضت إلى 65 % قبل أن تحدد بـ 50 % فيما يتعلق بصافي الأصول الخارجية للمصارف المركزية لدول غرب افريقيا، عملا بالتعديل الذي تم توقيعه في شتنبر 2005 وبمعاهدة حساب العمليات الممضاة في 4 دجنبر الأول 1973".
الحكاية طويلة جدا، وتمتد للقرون الماضية، ولا زالت مستمرة، بطرق مختلفة، ديبلوماسية، ملتوية، لكن الأصل والأساس موجود: وهو أن إفريقيا كانت، وسيحاولون أن تظل، الحديقة الخلفية التي تجعل من فرنسا فرنسا !