لم يكن أحد يتصور يوما أن مدينة طنجة ستعرف مدخلاً بحريا آخر غير ميناء طنجة المدينة الذي عرفت به منذ أزيد من قرن، والذي كان مصدر التجارة والسفر والتبادل.
لكن المدينة كبرت، والمعاملات ازدهرت، خصوصا في بدايات القرن الجديد، تزامنا مع اعتلاء الملك محمد السادس لعرش المملكة، ولم يعد الميناء الصغير كافيا لتغطية حاجيات المدينة التجارية، كونها أصبحت قطبا اقتصاديا قويا تعوّل عليه المملكة في تنمية اقتصادها.
هذا الإكراه جعل التفكير في خلق واجهة بحرية جديدة ضرورة لا مناص منها، خصوصا أن مضيق جبل طارق يعدّ معبراً أساسيا لعدد لا يستهان به من السفن التجارية سنويا.
من هنا، جاءت فكرة ميناء طنجة المتوسط، ومن هنا كانت البداية.
وفي سنة 2003، في السابع عشر من فبراير بالضبط، أعطى الملك محمد السادس انطلاقة المشروع الذي اعتبر علامة فارقة في صيرورة الاقتصاد الوطني، وفي تنمية أقاليم الشمال خصوصا.
مشروع ظلّ ينمو وينمو، ويحقق نجاحات متوالية جعلت منه منافساً قويا على مستوى المنطقة، متجاوزاً بذلك ميناءات قديمة وضخمة بالمتوسط وإفريقيا.
حقائق وأرقام
يقع الميناء على مضيق جبل طارق ويمثل قطبا لوجيستيا موصولا بأكثر من 186 ميناء عالمي وبقدرة استيعابية تصل إلى 9 ملايين حاوية، و7 ملايين راكب، وكذا ما يقارب 700000 شاحنة و مليون سيارة.
كما يعد الميناء قطبا صناعيا لأكثر من 900 شركة عالمية ناشطة في مجالات مختلفة من صناعات السيارات و الطائرات والنسيج و اللوجستيك و الخدمات بحجم مبادلات يفوق 7300 مليون يورو.
إلى ذلك، يمتد المركّب المينائي على مساحة 1 مليون متر مربع ويضم ميناء طنجة المتوسط 1 الذي يضمّ بدوره محطّتين للحاويات ومحطة السكك الحديدية ومحطة المحروقات ومحطة السلع المتنوعة ومحطة السيارات، وكذا ميناء طنجة المتوسط للركاب و الشاحنات ذو الأرصفة المخصّصة لركوب المسافرين وصعود شاحنات النقل الدولي، ونقاط التنظيم، ومحطة الركاب.
كما يضم ميناء طنجة المتوسط 2 الذي يحتوي على محطتين للحاويات، ومركز طنجة المتوسط للأعمال.
ميناء طنجة المتوسط 2.. تطور متواصل
شهدت سنة 2019 إطلاق المرحلة الثالثة من المشروع والمتمثلة في ميناء طنجة المتوسط 2، جنبا إلى جنب مع طنجة المتوسط 1 وميناء الركاب والسفن.
وقد دشن الأمير الحسن هذا الميناء في يونيو من سنة 2019، وذلك كدفعة جديدة للميناء خصوصا في مجال معالجة الحاويات.
وتبلغ القدرة الإجمالية للميناء الثاني حوالي 6 مليون وحدة معادلة لعشرين قدمًا، باستثمار إجمالي في البنية التحتية قدره 14 مليار درهم.
كما تصل القدرة الإجمالية لمحطات الحاويات في المركب المينائي طنجة المتوسط إلى 9 ملايين وحدة معادلة لعشرين قدمًا.
وقد بدأت أعمال البناء في ميناء طنجة المتوسط 2 في ماي 2010، وذلك على مرحلتين: المرحلة الأولى، التي تم إطلاقها في عام 2010 وتم الانتهاء منها في عام 2016، والتي تشمل البنية التحتية الأساسية (بما في ذلك الحاجز الرئيسي) وأول 1200 متر طولي من الأرصفة.
المرحلة الثانية، والتي ستُكتمل في عام 2019، والتي تشمل الأرصفة الجديدة أكثر من 1600 متر طولي وكذلك الحاجز الثانوي.
مناطق صناعية
تمتدّ المناطق الصناعية طنجة المتوسط على مساحة 16 مليون متر مربّع وتُعد منصة إقليمية للتنافسية الصناعية واللوجستيات والخدمات والتجارة.
تضم المنصة كل من: المنطقة الحرّة طنجة وطنجة أوطوموتيف سيتي وتطوان بارك وتطوان شور ومنطقة التجارة الحرة للخدمات اللوجستيّة ومنطقة رونو طنجة المتوسط.
تفوق مغربي في عز أزمة كورونا
من المؤكد أن أكبر منافس لميناء طنجة المتوسط هي الموانئ الإسبانية باعتبارها الواجهة المباشرة للمغرب، خصوصا ميناء الجزيرة الخضراء، الذي يعد المنافس المباشر للميناء.
ورغم أن سنة 2020 كانت سنة سيئة من الناحية الاقتصادية على مستوى العالم بسبب جائحة كورونا، إلا أنها شهدت حدثا هامّا تمثل في تفوق ميناء طنجة المتوسط على ميناء الجزيرة الخضراء لأول مرة في مجال النقل البحري للبضائع والسلع، وفق ما أوردته وكالة بلومبرغ الإعلامية.
وأوضح المصدر ذاته أن ميناء طنجة المتوسطي تمكن خلال سنة 2020 من معالجة ما يقرب من 5.8 مليون حاوية كبيرة، مسجلا بذلك زيادة في حجم المعالجة تفوق بـ 20 بالمئة عن عام 2019 "مما يجعله أكثر موانئ الحاويات ازدحاما في المنطقة".
طنجة المتوسط تفوق على منافسه الأكثر شراسة، ميناء الجزيرة الخضراء، الذي انخفضت حركة الشحن الخاصة به في نفس الفترة بنسبة 0.4 بالمئة، لتصل إلى حوالي 5.1 مليون حاوية.
كما أفادت وكالة الأناضول في قصاصة إخبارية خلال شهر يناير الماضي أن المغرب حقق خلال 2021، رقم مناولة قياسي على مستوى البحر الأبيض المتوسط، وذلك نقلا عن بيان لسلطات الميناء التي أوردت أن "الميناء عالج خلال العام الماضي 7.17 ملايين حاوية، بنسبة نمو 24 بالمئة مقارنة مع 2020، ليحقق بذلك رقما قياسيا على مستوى البحر الأبيض المتوسط".
موسم العبور.. التحدي الأكبر
يعد موسم العبور الصيفي للآلاف من مغاربة العالم، الذي يطلق عليه "عملية مرحبا"، نحو وطنهم تحديا كبيرا لسلطات الميناء، حيث تتجند بكل طاقتها لإنجاحه، بما يعرفه من إكراهات وتحديات.
وإن كان ميناء طنجة المدينة لا زال يخفف نوعاً ما بعض الضغط في هذا الباب، إلا أن هذا لم يمنع الازدحام والمشاكل من التراكم خلال تلك الفترة.
ونظرا للمجهودات المبذولة في هذا الباب، فقد شهدت عملية "مرحبا 2019" (آخر عملية عبور قبل أزمة كورونا)، تصدر ميناء طنجة المتوسط لنقط دخول الجالية المغربية بنسبة 23 في المائة، متبوعا بمطار محمد الخامس بنسبة 12 في المائة، ما يعني أنه لا زال الوجهة المفضلة للدخول بالنسبة لمغاربة العالم.
وتتخذ السلطات المينائية في عمليات العبور عدة تدابير لتمر العملية في أفضل الظروف، من بينها ما ذكرها نائب المدير العام للسلطة المينائية حسن عبقري خلال عملية العبور 2019، والمتمثلة في "تشييد جسر يفصل ماديا بين تدفق عربات المسافرين وعربات البضائع داخل الميناء، باستثمار وصل إلى 25 مليون درهم، وكذا بناء 8 مرافق صحية موزعة على باحات التسجيل وقبل الإركاب"..
كما تمت، خلال نفس الفترة، وفق المصدر ذاته، زيادة المساحة المظللة ونقط الأكل بالقرب من شبابيك التذاكر وباحات قبل الإركاب، وتهيئة فضاءات للعب الأطفال، وتعزيز خدمات المساعدة المقدمة للأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، من خلال وضع مسار خاص يلبي متطلباتهم، والرفع من عدد العاملين في مجالات التوجيه والمساعدة والإرشاد وتدبير حركة السير.
خدمات اجتماعية
كان لابد أن يرافق هذا النجاح الاقتصادي، اشتغال على المستوى الاجتماعي، وهو ما في مؤسسة طنجة المتوسط للتنمية البشرية، والتي تشتغل على 4 محاور أساسية: التعليم، الصحة، التكوين والتنمية السوسيو ثقافية.
ووفق آخر الإحصائيات، فقد وصلت حصيلة المشاريع المنجزة ما بين 2008 و2016 إلى 467 مشروعا يستفيد منه ما يقارب 17.700 مستفيد مباشر كل سنة.