دعا الكاتب الدكتور سمير بنيس إلى ضرورة تجاوز مرحلة شجب ما قام به النظام التونسي من طرف الجمعيات والأحزاب المغربية، باعتبار أن الرسالة قد وصلت فعلا.
وطالب بنيس، في مقال جديد له حمل العنوان أعلاه، إلى ضرورة التركيز على العمل الديبلوماسي للحفاظ على المكتسبات الديبلوماسية التي تحققت خلال السنوات الخمس الماضية.
وهذا نص مقال الدكتور سمير بنيس كاملا:
لقد كان التفاعل القوي والعفوي للشعب المغربي مع الضربة الخادعة للنظام التونسي في مستوى الأهمية التي يوليها كل المغاربة لقضية الصحراء المغربية وتشبثهم بوحدتهم الترابية.
وقد كان لافتا التعبئة الشعبية منقطعة النظير التي تسبب فيها استقبال الرئيس التونسي لزعيم الانفصاليين، إلا أنه بعد مرور بعض الوقت بدأت تهدأ النفوس، وقد حان الوقت لضبط النفس والتعامل مع هذا التطور في الموقف التونسي تجاه قضيتنا الوطنية بكثير من الاتزان واليقظة وبعد النظر.
وفي هذا الصدد، سيكون في مصلحة المغرب أن تتوقف كل الجمعيات والأحزاب عن شجب ما قام به النظام التونسي، فلا شك أن الرسالة قد وصلت لمن يهمه الأمر في تونس، خاصةً الشعب التونسي، الذي تجمعنا معه علاقات أخوية متينة، والذي يعتبر أكبر ضحية للانقلابات الدستورية التي قام بها رئيسهم وللطعنة الخادعة التي وجهها للمغرب.
ما علينا الآن أن نقوم به هو أن نترك الدبلوماسية المغربية وذوي الاختصاص يعملون في صمت وفي الكواليس من أجل الدفاع عن مصالح المغرب والحفاظ عن المكتسبات الدبلوماسية الجمة التي تحققت خلال السنوات الخمس الماضية.
بموازاة مع ذلك، على الأحزاب السياسية المغربية أن تشمر على سواعدها وتقوم بالعمل الذي من شأنه أن يعود بالنفع عل مصالح البلد عل المدى القريب والمتوسط والبعيد.
ويكمن هذا العمل في التواصل مع الأحزاب السياسية المعارضة لنظام قيس سعيد وتعزيز علاقاتها المؤسساتية معها تمهيداً للوقت الذي قد يسقط فيه هذا النظام.
الكل يعلم بأن الرئيس التونسي يواجه معارضة شرسة من العديد من الأحزاب والنقابات وأن فئات عريضة من الشعب التونسي غير راضية عن الانقلابات الدستورية التي قام بها ضد العملية الديمقراطية.
وبالنظر للضغوطات الخارجية التي يتعرض لها الرئيس سعيد على يد الولايات المتحدة وظهور بوادر أخذ كل من الإمارات العربية المتحدة والمملكة السعودية لبعض المسافة مع هذا النظام، بعدما كانتا من بين الدول التي دعمته ضد حزب النهضة، والمعارضة الشرسة التي يواجهها من طرف الأحزاب المتشبثة بالخيار الديمقراطي، فمن غير المستبعد أن ينجح الشعب التونسي في التخلص من قيس سعيد في الشهور أو السنوات القليلة القادمة.
إن الشعب الذي أنهى حكم نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي، الذين كان متحكما في كل دواليب الحياة السياسية والاقتصادية، قادر عل تنحية رئيس لا يكاد يثبت أقدامه عل رأس الدولة التونسية ويمر من أزمة اقتصادية خانقة قد تدفع بالشعب التونسي إلى الثورة في أي لحظة. ومن ثم، فعلى الأحزاب المغربية تعزيز علاقاتها مع نظيرتها التونسية وتفادي أن يقوم الجزائر باختراقها وضمها كذلك لصفه.
فالخوف كل الخوف أن تستمر حملة التنديد ضد تونس وأن يقوم نظام الرئيس قيس سعيد باستعمالها لصالحه لتبرير الموقف الذي اتخذه من قضية الصحراء المغربية وأن يحاول تصوير المغرب عل أنه دولة توسعية تسعى للنيل من مصالح جيرانها، وهي السردية التي عمل النظام الجزائري على الترويج لها منذ ستة عقود.
إن استمرار نشر هذه البلاغات الاستنكارية قد يتسبب في استعداء الشعب التونسي، الذي علينا أن نقوم بكل شيء من أجل الحفاظ عل علاقاتنا الأخوية معه، كما علينا تفادي الدخول في الحروب الكلامية في وسائل التواصل الاجتماعي وأن نتعامل مع كل ما يتم نشره بكثير من الحذر وأن نكون عل يقين أن النظام الجزائري هو من يقف وراء المناشير المعادية للمغرب وأنه يهدف إلى إذكاء نار الفتنة بين الشعبين المغربي والتونسي. فنحن لسنا بحاجة إلى استعداء الشعب التونسي، بل علينا أن نظهر له أننا نفرق بين نظامه وبين عموم التونسيين وأننا نتفهم وضعيتهم.
وهنا علينا ألا ننسى أنه، وإن كان من الصعب تقبل الخطوة التي قام بها النظام التونسي، فإنها لن تقدم ولن تؤخر شيئا بالنسبة للعملية السياسية المتعلقة بقضيتنا الوطنية ولن تقوم بنسف المكتسبات الدبلوماسية التي حققها المغرب في الآونة الأخيرة.
إن تونس لم تكن قط ذلك البلد الذي يتمتع بوزن سياسي كبير على المستوى الإقليمي أو الدولي الذي قد يمكنه من خلخلة موازين القوى فيما يتعلق بقضية الصحراء المغربية أو أن يرجح كافة طرف على آخر، كما أن تونس تمر من أحلك فتراتها منذ استقلالها وتوجد عل حافة الانهيار ولن يكون بإمكانها أن تشكل سنداً كبيراً للجزائر في إطار سعي هذه الأخيرة لنسف ما حققه المغرب.
صحيح أن هذا الموقف التونسي يعتبر بمثابة انتصار دبلوماسي مؤقت بالنسبة للنظام العسكر الجزائري، ذلك أنه يعطيه دفعة مهمة من الناحية المعنوية ويخرجه من العزلة الدبلوماسية التي عاشها منذ عدة سنوات، كما يعطي الانطباع بأن الجزائر استعادت قواها وأصبحت تستعيد مكانتها السياسية والدبلوماسية عل المستوى الإقليمي.
إلا أنه من الناحية السياسية والدبلوماسية، فإن الخطوة التي أقدم عليها الرئيس التونسي لن تغير من الدينامية التي يوجد فيها الموقف المغربي، وهذا لا يعني أنه ينبغي التخلي عن تونس وتسليمها في طابق من ذهب للنظام الجزائري، بل على العكس من ذلك، ينبغي للمسؤولين للمغاربة القيام بكل ما في وسعهم من أجل منع هذا الأخير من تحويل تونس إلى حديقته الخلفية.
وفي هذا الصدد، سيكون حريا بالمغرب أن يعمل عل تفادي قيام الرئيس التونسي بخطوة إضافية وأن يقوم بالاعتراف بالجمهورية الورقية للبوليساريو، فلن يكون ذلك السيناريو في مصلحة المغرب وسيجعله في عزلة على المستوى الإقليمي، وسيمكن الجزائر من لعب دور الزعامة الذي حلمت بلعبه في المنطقة على حساب المغرب.
ولعل خير سبيل لتحقيق ذلك هو أن يعمل المغرب عل تعزيز نفوذه ووزنه الاقتصادي في تونس وألا يترك المجال فارغاً للجزائر لتستفرد بهذا البلد وتجعله حكراً عليها.
لقد كان من الطبيعي أن تكون ردة فعل الكثير من المغاربة بعد الخطوة التي أقدم عليها الرئيس التونسي ضد المغرب مطالبة الحكومة المغربية باتخاذ إجراءات اقتصادية عقابية ضد تونس، في مقدمتها انسحاب التجاري وفا بنك من هذا البلد وإلغاء العمل باتفاق التبادل الحر بين البلدين.
لا شك أن اتخاذ قرارات مثل هذه قد تجعلنا نحس بنوع من الرضا الآني وبرد الصاع صاعين. إلا أنه في حالات مثل هذه، ينبغي لنا أن نترك عواطفنا جانبا، ذلك أن قرارا من هذا النوع سيخدم مصالح خصوم المغرب، وسيعزز السردية التي بدأت الآلة الدعاية الإعلامية الجزائرية تروج لها،ـ وهي أن المغرب يسعى للنيل من اقتصاد تونس لتعزيز نفوذه الاقتصادي عل المستوى الإقليمي.
كما أن أول متضرر من هذه القرارات سيكون هو الشعب التونسي الذي يعتبر ضحية السياسات التي يتبعها الرئيس سعيد. إن ما تقتضيه هذه المرحلة هو الاحتكام لصوت الحكمة والعقل، وتقول الحكمة أنه ليس في مصلحة المغرب أبداً إعطاء أي انطباع بأنه يسعى للنيل من مصالح هذا الشعب، بل أن يظهر له أنه لا زال متشبثاً بالحلم المغاربي وبأن تضطلع تونس بدور ريادي في تحقيقه وأنه يسعى لتحقيق رفاه وازدهار كافة شعوب المنطقة.
ينبغي للمغرب أن يعزز حضوره الاقتصادي في تونس وأن يجعل منه الورقة التي ستساعده في المستقبل على إرجاع تونس لصوابها ولمواقفها الحيادية تجاه قضية الصحراء.
كما على كل القوى الحية في المغرب أن ترفع وعي الرأي العام التونسي بأهمية اتفاق التجارة الحرة التي يربط البلدين وأن هذا الأخير يصب في مصلحة بلادهم.
فمن شأن حملة إعلامية من هذا القبيل أن تساعد التونسيين عل فهم مدى أهمية الحفاظ عل علاقات وطيدة مع المغرب وأن تدفع الفاعلين الاقتصاديين التونسيين إلى الضغط عل الحكومة التونسية لثنيها عن القيام بأية خطوة من شأنها أن تؤدي بالبلدين إلى القطيعة الدبلوماسية.
كما على القوى الحية المغاربية ألا تدخر جهداً لرفع مستوى وعي الرأي التونسي بالحيثيات والتفاصيل التاريخية لملف الصحراء المغربية وقطع الطريق أمام الألة التضليلية الجزائرية. وهنا علينا أن نستحضر أنه منذ نشوب النزاع حول الصحراء، لم تكتف تونس بالحياد الإيجابي، بل دعمت المغرب بشكل واضح. ولعل ذلك ما حدث عام 1982 حينما قبل الأمين العام لمنظمة الوحدة الافريقية مشاركة وفد البوليساريو باعتباره عضوا في المنظمة، وقد كانت تونس من بين 18 بلداً وقفوا إلى جانب المغرب في التنديد بهذه الخطوة، كما كانت من بين تسع دول انسحبت من إحدى اجتماعات المنظمة في شهر أبريل 1982.
ومن جهة أخر، أظن أنه جاء الوقت لنقف وقفة تأمل وأن نشخص مواطن الخلل في الدبلوماسية المغربية وأن نعمل بشكل استباقي للحيلولة دون تحقيق الجزائر لمكتسبات دبلوماسية جديدة.
فمن سابع المستحيلات أن تكون حياة الإنسان أو حياة الأمم كلها انتصارات واختراقات دبلوماسية، ومن الطبيعي أن تكون هناك كبوات أو هفوات بين الفينة والأخر، وذلك ليس عيبا، ولكن حين تقع تطورات من هذا القبيل، ينبغي القيام بتشخيص الوضع واستجماع كل القوة واستعمال كل الأوراق المتاحة من أجل مواجهة الخصوم بشكل فعال وإحباط كل مخططاتهم الهدامة.
كما ينبغي التسليم بأن المغرب دخل في مرحلة جديدة وجد حساسة في حربه الدبلوماسية ضد الجزائر وحلفائها، خاصة وأن نظام الجزائر قد استفاد من الفقاعة المالية الناتجة عن ارتفاع أسعار النفط والبترول وأنه يعتبر من أكبر المستفيدين من الحرب الدائرة في أوكرانيا.
وبالتالي، فعلى غرار ما قام به هذا النظام في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي حينما استعمل قوته المالية من أجل شراء دعم الدول الإفريقية، فإنه لن يدخر جهداً من أجل اتباع نفس السياسة خلال المرحلة القادمة.
فالجزائر تعرف أنها خسرت العديد من المعارك الدبلوماسية ضد المغرب خلال السنوات الخمس الماضية وأن هذا الأخير أصبح أقوى مما كان عليه في الماضي، خاصةً بعض الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء والدعم الواضح للموقف المغربي الذي قدمته كل من إسبانيا وألمانيا، وكذلك افتتاح أكثر من 30 بلداً إفريقيا لقنصلياتها في أقاليمنا الجنوبية.
كما تعلم أن إحدى الأهداف الرئيسية التي يشتغل عليها المغرب لوضع حد للنزاع بخصوص الصحراء المغربية هو طرد البوليساريو من الاتحاد الافريقي.
وبما أن عضوية الجمهورية الورقية للبوليساريو تعتبر هي آخر ورقة دبلوماسية تمتلكها الجزائر، فإنها ستعمل لا محالة عل استعمال السيولة المالية التي حصلت عليها خلال الشهور الستة الماضية من أجل استمالة بعض الدول الافريقية التي فتحت قنصلياتها في الصحراء المغربية من أجل التراجع عن قرارها.
ولعل أهم مؤشر عل ذلك هو وصول وفد البوروندي لتونس للمشاركة في اجتماع تيكاد الأسبوع الماضي على متن طائرة تابعة للرئاسة الجزائرية. كما أن المؤشر الثاني والأهم هو استقبال الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، لرئيس غينيا بيساو بداية هذا الأسبوع، بعدما كان هذا الأخير قد انسحب من المشاركة في مؤتمر تيكاد احتجاجاً عل مشاركة زعيم مليشية البوليساريو في ذلك المؤتمر.
إن القاسم المشترك لهذين البلدين هو أن كلاهما فتحا قنصليته في أقاليمنا الجنوبية بعدما كان من بين أول الدول التي اعترفت بالجمهورية الورقية للبوليساريو وكانت من بين أول المدافعين عن انضمامها للاتحاد الإفريقي. فكلا البلدين كانا بين الدول الافريقية الستة وعشرين التي وجهت رسالة للأمين العام لمنظمة الوحدة الإفريقية في شهر فبراير عام 1982 وطلبت منه توجيه دعوة رسمية لزعيم البوليساريو للمشاركة في اجتماعات مجلس وزراء المنظمة بصفته عضوا فيها، وهو ما استجاب له الأمين العام للمنظمة Edem Kodjo.
كما أن القاسم المشترك بين هذين البلدين هو أنهما يعتبران من بين العشر دول إفريقية الأولى التي كانت قد اعترفت بالجمهورية الورقية بحلول شهر مارس 1976 (إلى جانب كل من الجزائر ومدغشقر وبنين وأنغولا والموزمبيق وكوريا الشمالية وطوغو وراندا).
وبالتالي، يظهر بأن الجزائر تحاول استرجاع نفوذها عل الدول التي كانت تدور في فلكها حتى وقت قريب والتي استطاع المغرب استمالتها لصالح موقفه بفضل السياسة الافريقية التي تبناها الملك محمد السادس منذ ما يزيد عن عقد من الزمن.
على ضوء التطورات المتسارعة التي تعرفها قضية الصحراء المغربية وعزم الجزائر عل تقويض كل الخطوات التي يقوم بها المغرب لتعزيز نفوذه في إفريقيا لتهيئ الظروف لطرد البوليساريو من الاتحاد الإفريقي، يظهر أن المغرب في حاجة إلى خلق زخم جديد في العلاقات التي تجمعه مع شركائه الأفارقة.
وأما عجز مختلف الوزراء المنتمين لهذه الحكومة أو أولئك الذين تقلدوا المسؤولية في الحكومة السابقة على البناء على الزخم الذي خلقته الزيارات التي قام بها الملك محمد السادس للعديد من بلدان القارة خلال الفترة ما بين 2013 و2017، تظهر أن هناك حاجة ملحة لاستئناف عاهل البلاد لزياراته المكوكية للبلدان الإفريقية. فقد أظهرت لنا التجربة أن تلك الزيارات ساهمت إلى حد كبير في استعادة المغرب لمكانته ونفوذ عل المستوى الافريقي ومهدت الطريق لرجوعه للاتحاد الافريقي. ورأينا كيف أن تلك الزيارات والاتفاقات التي رافقتها دفعت العديد من البلدان إلى مراجعة مواقفها بخصوص قضية الصحراء المغربية، مما مهد الطريق أمام فتح قنصلياتها في الصحراء أو في تبنيها لموقف الحياد الإيجابي.
إن الاستقبال الذي خصه الرئيس الجزائري لرئيس غينيا بيساو يعتبر مؤشرا واضحا عل نوايا النظام الجزائري وعزمه نسف كل ما حققه الدبلوماسية المغربية في إفريقيا جنوب الصحراء خلال العقد الأخير، ومن ثم فإن أهم ورقة ينبغي للمغرب أن يلعب عليها هي رجوع الدبلوماسية الملكية للساحة الإفريقية.
بناء على النجاحات التي حققتها هذه الدبلوماسية في السابق، فلا شك أن حملة دبلوماسية في الشهور القادمة ستساهم إلى حد كبير في إحباط المخطط الجزائري ومساعدة المغرب عل الحفاظ عل مكتسباته الدبلوماسية.
وسيراً عل هذا الاتجاه، ينبغي أن تكون موريتانيا هي أول محطة من بين دول إفريقيا جنوب الصحراء، التي ينبغي زيارتها في المرحلة القادمة.
من المعلوم أن الجزائر حاولت عل مد العقود الأربعة الماضية استمالة موريتانيا للاصطفاف إليها في دعم أجندتها.
وقد تمكنت الجزائر من تحقيق ذلك عن طريق الترغيب والترهيب ومن خلال الترويج لسردية مفادها أنه في صالح موريتانيا أن يكون وبين المغرب دولة أخر للنأي عن نفسها عن التهديد المزعوم الذي يشكله المغرب عل وحدتها وسلامة أراضيها.
وكانت العلاقات بين المغرب وموريتانيا قد دخلت نوعاً من التوتر خلال فترة الرئيس السابق محمد عبد العزيز. وكان من بين مظاهر التوتر بين البلدين لما يزيد عن خمس سنوات استقبال هذا الأخير لأعضاء البوليساريو بشكل منتظم وتركه لمنصب سفير موريتانيا لدى المغرب شاغر لمدة خمس سنوات، ورفع العلم الموريتاني في الكويرة عام 2015 ورفضه استقبال وفد وزاري مغربي قبل انعقاد القمة السابعة والعشرين للاتحاد الإفريقي التي كانت مقررة في شهر يوليوز 2016، بالإضافة إلى حادثة الكركرات.
وقد تميزت فترة عبد العزيز بتقرب كبير نحو المحور الجزائري وبانحرافه عن الحياد الحذر الذي نهجته موريتانيا تجاه الصراع المغربي-الجزائري حتى عام 2009 على الرغم من أنها اعترفت بالجمهورية الصحراوية كرها عام 1984.
ولعل من بين مؤاخذات الرئيس الموريتاني على المغرب كون الملك محمد السادس لم يقم بأي زيارة لموريتانيا منذ أن دشن حملته الإفريقية بينما قام بزيارة العديد من البلدان الاخرم مرتين أو أكثر.
وعلى الرغم من عودة شيء من الدفء للعلاقات بين البلدين بعد انتخاب الرئيس محمد ولد الغزواني، إلا أن العلاقات بين البلدين لم ترق بعد لمستوى العلاقات التاريخية والثقافية والروحية بين البلدين.
كما أن المغرب لم يعط بعض ضمانات لموريتانيا بأنه يضعها في صميم أولوياتها وأنه يسع لبناء شراكة استراتيجية متعددة الأبعاد معها أو أنها يسع لجعلها في صلب سياسته الافريقية.
وببقاء نفس العوامل التي أعاقت التقارب بين البلدين، يبقى المجال مفتوح أمام الجزائر لاستغلال الفراغ الذي يتركه المغرب لإقناع موريتانيا للانضمام لمعسكرها.
كما كنت قد أشرت إلى ذلك في مقال نشرته عام 2016، فإن إحدى الهواجس التي تؤرق الموريتانيين هي أن يصبح بلدهم محاطاً ببلدين غير صديقين.
فمن المعلوم أن العلاقات بين موريتانيا والسنغال تعيش دائما عل وقع التوتر، بينما العلاقات بين المغرب وموريتانيا تعرف الكثير من الفتور.
وفي الآن نفسه، تجمع المغرب بالسنغال علاقات استراتيجية متعددة الأبعاد وتعتبر السنغال من بين أهم حلفاء المغرب في القارة. وما دام المغرب لم يرق بعد لعلاقاته مع موريتانيا لمستوى استراتيجي ولم يعطيها ضمانات ملموسة حول نواياها الحسنة، فإن موريتانيا، تنظر بعين الرب للعلاقات المغربية-السنغالية وتفضل إنشاء دولة بينها وبين المغرب لتفادي حصارها بين المغرب والسنغال.
بطبيعة الحال، فإن الجزائر عملت وستعمل عل استغلال تقصير المغرب تجاه موريتانيا لإذكاء هذا الانطباع الخاطئ والحيلولة دون وقوع تقارب بين البلدين.
ولتفادي هذا السيناريو، يجب إطلاق مسلسل جديد في العلاقات بين البلدين، فمن مصلحة المغرب أن يضع من بين أهم أولوياته بناء شراكة استراتيجية حقيقية بين البلدين ومساعدة البلد عل إنجاح جميع المبادرات الاقتصادية والاجتماعية التي أطلقها الرئيس الموريتاني، في مقدمتها المخطط الذي أطلقه في الآونة الأخيرة من أجل النهوض بالفلاحة.
كما سيكون في مصلحة المغرب إعفاء الموريتانيين من التأشيرة لدخول المغرب، خاصة وأن هناك إقبال متزايد للموريتانيين عل القنصلية المغربية للحصول على تأشيرة لدخول المغرب.
إلا أن أي زخم حقيقي في العلاقات بين البلدين لن يتحقق إلا من خلال جعل موريتانيا من بين الوجهات الأول في إطار الجولة الإفريقية التي ينتظر كامل المغاربة بفارغ الصبر أن يقوم بها جلالة الملك للحفاظ عل المكاسب الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية التي حققها المغرب خلال السنوات الخمس الماضية.
لقد أظهرت الدبلوماسية الملكية نجاعتها وقدرتها عل تدليل كل الصعاب وتخطي كل العقبات التي وقفت أمام المغرب خلال العقود السابقة في طريق الحصول عل دعم أصدقائه وأشقائه الأفارقة.
وأمام ظهور بوادر تظهر عزم الجزائر الرمي بكل ثقلها في إفريقيا لنسف كل ما حققه المغرب، فإن هذا الأخير في حاجة ماسة لدبلوماسيه الأول لمواجهة المد الجزائري ووأده أو على الأقل التخفيف من انعكاساته السلبية عل الديناميكية الإيجابية التي دخل فيه الموقف المغربي منذ ما يزيد عن خمس سنوات.