عندما تناول الكاتب الأمريكي جورج أورويل مصطلح "التفكير المزدوج DoubleThink" في روايته "1984"، التي نشرت سنة 1949، لم يكن يدري أن هذه الممارسة السياسية ستتواصل إلى غاية سنة 2022.
والتفكير المزدوج يعني، باختصار مخلّ، وفق أورويل، هو أن يقول السياسي شيئا وهو يفكر بشيء آخر، وهي مقدرة نفسية وشخصية لا يجيدها إلى الجهابذة من السياسيين، كأن يبكي السياسي فعلاً في لحظة حديثه عن المواطنين الفقراء، بينما هو في داخله يبكي لأنه يشعر أن منصبه سيسحب منه.
بالنسبة لعبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، فإن كونَ جامع المعتصم، نائبه الأول في الحزب، متواجداً كمكلف بمهمة في ديوان رئيس الحكومة عزيز أخنوش، أمر عادي، في الوقت الذي يريد "المشوشون" أن يقنعونا أنه مستشار لرئيس الحكومة.. "ما ماتشي.. غير الخيل عفصو" !
لقد أكد بنكيران ما أراد نفيَه ببساطة. فهو من جهة يقر أن العمل كمستشار لرئيس الحكومة لا يليق بنائبه، وأنه مجرد رجس من عمل "المشوشين"، لكن لا بأس من أن يكون مكلفا بمهمة لدى أخنوش.. وكلّ في فلكٍ يسبحون.
بالنسبة للكاتب خالد البكاري، فإن جامع المعتصم، إذا كان مستشارا في ديوان أخنوش، "فهذا يعني انه إما يستغل منصبه في الديوان لصالح الحزب، أو العكس".
وطبعا، لن يتغير الأمر لو كان مكلفا بمهمة، أم أن الانتماء يتغير بتغير المنصب !؟
ثم، كيف يمكن لمن يشتغل مكلفا بمهمة لدى رئيس الحكومة أن يصف هذه الأخيرة بأنها "تلجأ إلى المناورة عوض مواجهة التحديات التي يطرحها السياق الوطني والإقليمي والدولي بالغة الصعوبة، وذلك بـ"رشوة" النخب وفي مقدمتها الإعلام والنقابات و"بعض الفئات"، ومحاولة شراء صمتها ببعض الإجراءات التي يغلب عليها منطق “المناورة والتضليل”.
نعم بعض الفئات..
يقولها لأعضاء حزب العدالة والتنمية في لقاء دراسي بتاريخ 21 أكتوبر الجاري.
الحقيقة أن جورج أورويل لم يكن جامحَ الخيال جدا كما تخيل النقاد على مرّ العقود، فهو لم يتصور يوما أن هناك شيئا اسمه "Triple Think" أو التفكير الثلاثي.. أي أن تقول شيئا وأنت تفكر في شيء آخر، وتخطط لشيء ثالث !!