مدفوعا بعشق مبكر حرك غريزته وجعله يغوص في عالم مليء بالآحاد والأصفار، وجد أيوب نفسه في بحر، لا يمكن لأي شخص أن يبحر في أعماقه، مستمتعا مع كل سطر برمجي يكتبه في عالم افتراضي لا نهاية له، إلى أن نمت بينهما ألفة جعلت عينيه لا تحيدان عن شاشة الحاسوب.
يبلغ الطفل أيوب لكدر، الذي يطلق عليه مقربوه وأصدقاؤه لقب "إنشتاين"، من العمر 11 سنة، ويتقن لغات برمجية مختلفة، كما يتحدث لغتي "شكسبير" و"موليير" بطلاقة، أما أنامله فتنقر بسرعة فائقة على لوحة المفاتيح تضاهيها دقة كتابته لسطور تجتمع فتصير، لاحقا، برامج معلوماتية.
يقيم أيوب، الذي ازدان سنة 2011 بالرباط، في مدينة تزنيت، حيث يتابع دراسته الابتدائية، والتي انتقل إليها رفقة أسرته بعد فترة دامت سبع سنوات قضاها بمدينة القنيطرة قادما إليها من مسقط رأسه بالعاصمة الإدارية للمملكة.
ظهرت بوادر موهبة أيوب الرقمية في ما لديه من مستوى عال من التفكير مقارنة مع صغر سنه، فكان محط اهتمام مدرسيه، إذ أثار الانتباه وهو لا يزال بعد في مرحلة التعليم الأولي، فأبلغوا أسرته وأشادوا بما لديه من مهارات، شكلت عنوانا لنبوغ وتميز فريد بين أقرانه. وقد مكنته فراسته من اجتياز دراسته بنجاح في الفصول المتوالية، حيث كان دوما يحصل على درجات ممتازة في مختلف المواد الدراسية.
متحديا الصعاب، بدأت قصة الطفل الألمعي مع العالم الرقمي، منذ أن كان صغيرا لم يتجاوز بعد ست سنوات، إذ كان من حين لآخر يأخذ كتابا عن المعلوميات من خزانة خاله ويتصفحه بتركيز، فتمكن من التعرف على مكونات "الكمبيوتر" وأفلح في إتقان برامج الـWord" و"Excel" و"PowerPoint" وغيرها من أساسيات هذا المجال، رغم أنه لم يكن يتوفر على جهاز حاسوب وكان يكتفي باستعمال هاتف ذكي.
بعفوية وشجاعة بادية في التعبير، يفصح أيوب لقناة الأخبار المغربية (M24) التابعة لوكالة المغرب العربي للأنباء، عن بداية مشوار الألف ميل في عالم البرمجة مع كتاب الفيزياء الذي أحضرته له والدته، وهو مايزال في السنة الثانية ابتدائي (9 سنوات)، وساعده التعلم الذاتي وتوجيهات مؤطريه على الغوص أكثر في هذا العالم الافتراضي الواسع والمليء بالأسرار.
حالة الحاسوب المهترئة، كما وصفها، والذي حصل عليه آنذاك، لم تثنه عن مواصلة مغامرته وهوسه بالتكنولوجيا، فقد تمكن من إتقان ثلاث لغات برمجة، في ظرف لم يتعد ثلاث سنوات، وموازاة مع ذلك درس اللغة الانجليزية بمجهود وتعلم ذاتيين، مما مكنه، وهو في سن الـ11، من تصميم وإنجاز مشاريع رقمية خاصة به معتمدا على ما اكتسبه وتعلمه من رموز برمجة معقدة في بحر كبير جدا، مختلف الاتجاهات والأعماق.
"بايثون" ليست لغة البرمجة الوحيدة التي تعلمها الطفل الصغير، فقد تمكن في فترة قصيرة من إتقان لغات برمجة أخرى بما في ذلك "C"، و"++C"، و"جافا سكريبت"، و"البويرشيل"، كل ذلك بشهادة من حوله وكذا منظمي تظاهرة "ديڤ فيست" بأكادير، التي تواصل مع منظميها ونجح في إبهارهم وإقناعهم بالمشاركة في فعالياتها، دون أن يأخذ منه ذلك وقتا طويلا.
وتقيس مثل هذه المسابقات، التي لا تعتمد كثيرا على عمر المشارك، مستوى المهارات التي يمتلكها المشاركون في تكنولوجيا المعلومات لاسيما في تطوير "الويب" والهواتف، وكل ما يتعلق بالبرمجيات، تحت إشراف خبراء "غوغل" من ذوي الكفاءات عالية المستوى في مجال التطوير والبرمجة.
من جانبها، تطمح والدة أيوب، التي عملت جاهدة منذ اكتشاف ميزته الذهنية على تقديم العون وتوفير كل ما يحتاجه من لوازم، إلى أن يحظى ابنها بالتشجيع ومواصلة مشواره الدراسي حتى يتمكن من تطوير مهاراته وصقل معارفه، متمنية أن يلقى الرعاية والاهتمام اللازم من قبل الجهات المختصة.
وتقول في هذا الصدد: "لا أفهم كثيرا في هذه الأمور، لكن أساتذته المختصون في هذا المجال يعرفون أكثر مني، خاصة أنه استطاع، في ظرف وجيز، تعلم مجموعة من الأمور ذات الصلة وهو متعطش دائما لاكتشاف واكتساب معارف برمجية جديدة مع تعلم اللغة الإسبانية وتعزيز اللغة الإنجليزية".
أما أستاذه المصاحب، مبارك مباركي، فيورد في حديث مماثل، أن الطفل، منذ التحاقه بالمؤسسة، جذب الانتباه بنشاطه البدني ورؤيته للأشياء من منظور جديد كما أن مدرسه في المعلوميات لاحظ براعته ودقة إنجازه للمطلوب منه إذ لا يستغرق وقتا طويلا في ذلك بخلاف زملائه في الفصل الدراسي فضلا على أنه كان سريع التفاعل مع الأسئلة التي تطرح عليه.
ويضيف مباركي أن أيوب، ما إن ينهي حصصه الدراسية، حتى يطلب الإذن لاستعمال الحاسوب بقاعة الإعلاميات، الأمر الذي دفع إدارة المدرسة إلى السماح له باستغلالها في أي وقت بتأطير من أستاذه وأحيانا بدون مساعدة من أحد، موضحا أن الصغير تأثر بتجربة الطفل العبقري "إيدر مطيع" الذي درس بنفس المؤسسة.
متسلحا بجرعات الإلهام المكثفة التي تشبع بها من خلال اطلاعه على تجربة العالم "ستيفن هوكينج"، قدوته في هذا المجال، يطلق الطفل النابغة لطموحه العنان، وهو يوجه رسالة لكل أقرانه بأن الصبر والمثابرة سلاحان أساسيان لتحقيق ما يصبون إليه، متمنيا أن يصبح في يوم من الأيام اسما مغربيا له بصمته في علوم الفيزياء والبرمجة.