تواصل السلطات الجزائرية اعتقالَ عدد من الصحافيين ومئات النشطاء السياسيين، دون أن يثير ذلك اهتمام البرلمان الأوروبي أو يدير رأسه نحوها.
بالمقابل، يبدو أن المغرب، الذي يقل عدد المعتقلين فيه بشكل كبير عن جارته الشرقية، يحظى بكل التركيز من طرف هذه الهيئة الأوروبية، التي قررت أن بلداً واحداً في جيرانها الجنوبيين يستحق كل التركيز والضغط.
إنها آثار الحرب الروسية الأوكرانية على أية حال، والغاز الذي يبقى أهم من كل حقوق الإنسان وحريات التعبير، والأعمى فقط هو من لا يستطيع رؤية الشمس.
انتهاكات الجزائر "غير مثيرة للاهتمام"
فعلى سبيل المثال لا الحصر، تواصل السلطات الجزائرية اعتقال الصحافي المستقل إحسان القاضي، وإغلاق إذاعة وموقع إلكتروني يديرهما.
وترى منظمة العفو الدولية أنه "يجب الإفراج فورا عن إحسان القاضي المتهم بارتكاب جرائم وهمية تتعلق بأمن الدولة، كما يجب السماح بإعادة فتح منصتيه الإعلاميتين راديو إم ومغرب إيمرجان".
لكن، لا يبدو أن اعتقال القاضي يثير اهتمام البرلمان الأوروبي كثيراً في ظل الحرب الروسية الأوكرانية، والحاجة المستمرة إلى "الغاز الجزائري".
حقوق الإنسان وحرية التعبير مجرد بطاقة صفراء يتم إخراجها عند الحاجة، وليس عند ارتكاب خطأ فعلا !
رغم أنه، في حالة إحسان القاضي، لم يتوقف الأمر عند حد اعتقاله، وإنما أغلقت مكاتب المؤسستين الإعلاميتين اللتين يديرهما.
طبعا، الصحافي القاضي ليس هو الحالة الوحيدة، فقبله كانت هناك حالة بلقاسم حوال الذي أدين بسنة حبسا، منها شهران نافذة، على خلفية تقرير حول وقف تصدير التمور الجزائرية، وإعادة شحنة من فرنسا لاحتوائها على مواد كيميائية ضارة.
ناهيك طبعا عن حالات أخرى كثيرة، من بينها الحالة الطريفة والغريبة في تاريخ الصحافة، التي تم خلالها إقالة مدير التلفزيون الجزائري لأنه قام بنقل خبر تأهل المنتخب المغربي إلى نصف نهائي كأس العالم !
منظمة العفو الدولية كشفت أيضا في يونيو الماضي أنه يجب على السلطات الجزائرية أن تفرج فورًا ومن دون قيد أو شرط عما لا يقل عن 266 ناشطًا ومحتجًا سُجنوا بسبب مشاركتهم في مظاهرات الحراك الاحتجاجية، أو انتقادهم للسلطات، أو إدانتهم لفساد الدولة، أو تعبيرهم عن تضامنهم مع المعتقلين.
لكن كل هؤلاء المئات لا يحتاجون اجتماعات ولا تصويتات ولا حتى "لفت نظر" من وجهة نظر البرلمان الأوربي، في ازدواجية مقتية جدا، وكيل بمكيال أعوج.
كان سيكون التصويت الأوروبي مفهوما لو أنه طال فعلاً الدول التي تضيق فعلا على حرية الصحافيين، دون انتقائية مفضوحة، لكن والحالة هاته، فإن 3 صحافيين أهم من أمثالهم ومن مئات المعتقلين من جهة نظر البرلمان الأوروبي.
لنصوت ضد المغرب
تجاهل البرلمان الأوروبي كل هذه الحالات إذن، وآثر أن ينظر فقط لما يحدث في المغرب، والتدخل في استقلالية قضائه.
ويعترف البرلمان الأوروبي ضمنيا أن الأمر يتعلق بحالات ثلاث واضحة لا أكثر، حالات فيها كلام كثير له بالدرجة الأولى علاقة باستقلالية القضاء التي يبدو أن مراعاتها ليست من اختصاص البرلمان الأوروبي.
وفي الوقت الذي يتم فيه إيقاف صحافيين في المغرب بتهم ليست لها علاقة بحرية التعبير فعلا، وإنما بتهم أخرى يبقى دائما للقضاء حرية القرار فيها، فإن الصحافة في الجزائر يتم التضييق عليها من حيث هي "صحافة حرة"، دون وجود أي مبررات.
فالمقالات تدخل السجن في الجزائر، وذكر اسم "المغرب" قد يؤدي إلى الإيقاف.
كما أن الحراك والاحتجاج يوجبان الاعتقال، بينما يشهد المغرب احتجاجات كثيرة وختلفة في عدة قطاعات دون أن يشهد الأمر أي حالة إيقاف أو اعتقال واضحة.
لقد وجهت "مراسلون بلا حدود" خطابا إلى مفوضة الأمم المتحدة لحرية الرأي، دعت فيه إلى الضغط على الحكومة الجزائرية من أجل إطلاق سراح إحسان القاضي.
وينتقد ناشطون من أجل حقوق الإنسان الصمت الدولي وعدم الضغط بشكل كافٍ على النظام الجزائري، متهمين الدول الأوروبية خصوصا.
وترى تقارير إعلامية أن الناشطين "يعتقدون أن إحجام أوروبا عن انتقاد الجزائر سببه أنها دولة غنية بالنفط والغاز ، وهذا أمر هام في زمن الحرب الروسية ضد أوكرانيا ، وما سببته من أزمة طاقة عالمية، الأمر الذي جعل الجزائر شريكا هاما في مجال إمدادات الطاقة".
ويبقى الضغط على المغرب هو المفضل في البرلمان الأوروبي في ظل الوضع الحالي، وفي ظل المصلحة التي تقتضي "معاداة" بلد شريك قدم الكثير للقارة العجوز.