يبدو أن المواقف المتوازنة في الحروب صعبة جدا، إن لم تكن مستحيلة، خصوصا إذا كانت بين قطبين عالميين كروسيا والولايات المتحدة وحلفائها.
المغرب، الذي ظل يمسك العصا من المنتصف منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، اختار، يوم 24 فبراير، التصويت لصالح قرار أممي يدعو موسكو إلى سحب قوّاتها من أوكرانيا، وتحقيق سلام شامل وعادل ودائم في كييف.
ومنذ البداية، بذلت المملكة جهودا كبيرة كي تبقى خارج دائرة الصراع وتحافظ على علاقات جيدة مع الجانبين: الروسي والأوكراني، حيث لم يشارك المغرب في التصويت بالجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال جلسة 2 مارس 2022، على قرار يطالب روسيا "بالانسحاب الفوري" من أوكرانيا.
وقالت المملكة حينها إن عدم مشاركتها في التصويت "لا يمكن أن يكون موضوع أي تأويل بخصوص موقفها المبدئي المتعلق بالوضع بين البلدين".
وقبل ذلك، في 26 فبراير الماضي، عقب يومين من بدء التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا، أعلنت الخارجية المغربية في بيان، تشبثها بمبدأ "عدم اللجوء إلى القوة" في تسوية النزاعات بين الدول.
وأفادت المملكة، بدعمها "للوحدة الترابية والوطنية لجميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة"، وذلك في أول موقف للرباط حيال الأزمة بين موسكو وكييف.
ووفق محللين، فإن الدبلوماسية المغربية ظلت تمسك العصا من الوسط في التعامل مع عدد من القضايا الدولية، وأن موقف الرباط من الأزمة الأوكرانية الروسية، ينسجم مع المبادئ التي تشتغل عليها دبلوماسية المملكة.
ويرى مراقبون أن المغرب كان محايدا "مع التأكيد على وجوب حل الخلاف والحفاظ على وحدة أراضي الدول الأعضاء بالأمم المتحدة".
هذا الموقف، وفق ذات المصادر، جعل من المملكة حليفا موثوقا بالنسبة لروسيا التي لها موقف مهم داخل مجلس الأمن كما أنها تلعب دور كبير في ملف الصحراء المغربية، وبالتالي الدولتين يتفهمان الموقف المغربي الذي لم ينحز إلى أي طرف من أطراف النزاع.
واعتبروا أن الدولتين معاً تتفهمان المواقف المغربية المبنية على الحياد والتوازن، علاوة على أن المغرب حليف استراتيجي لجميع الدول وبالتالي يبني سياسته الخارجية على أساس أن المغرب شريك موثوق ومستقر وبوابة لولوج الشرق الأوسط والقارة الإفريقية كما يشكل حلقة وصل بين إفريقيا وأوروبا وبين الشرق والغرب.
إن الديبلوماسية الخارجية للمملكة ظلت، طيلة الحرب الروسية الأوكرانية، تمزج لغة المصالح بلغة المبادئ القائمة على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للشركاء، وتنويع الشركاء وإعادة ضبط العلاقات الخارجية.
وعموما، يرى مراقبون أن دخول أصدقاء المغرب في حرب أو صراع "لا يعني أن المغرب طرفا فيه، والدبلوماسية المغربية تتحرك برزانة على اعتبار أن البحث عن علاقات رابح رابح هي التي تحدد طبيعة عقيدة الدبلوماسية المغربية ومهما اختلف حلفاء المغرب الاستراتيجيون فهذا لا يؤثر على علاقات المغرب مع شركائه خاصة وأن هذا يدخل ضمن قراره السيادي".