قال عبد الجليل لحجمري، أمير السر الدائم لأكاديمية المملكة المغربية، إن سنة تكريم أعضاء الأكاديمية، بعد الانطلاقة الجديدة التي منحها إياها الملك محمد السادس، ليست مجرد نسخة تقليدية لأدب الاعتراف، "بل هي، أيضا، تنزيل لأهداف الهيكلة الجديدة المتعلقة بإعادة تنظيم أكاديمية المملكة العاملة على تنمية البحث العلمي وتطويره وتكريم الشخصيات المرموقة والأعلام العلمية والفكرية المتميزة".
وأضاف لحجمري، في كلمة له خلال لقاء تكريمي لعضو الأكاديمية العلامة الراحل عبد الله كنون، يوم الثلاثاء 7 مارس بمقر الأكاديمية، أن مشروع التكريم "يهدف إلى تقديم قراءات جديدة في حفريات مخزون الذاكرة والاستيهامات الفكرية التي أنارت سبل التطور للمجتمع المغربي، والذين سيظلون أحياء في قلوبنا وخالدين في ذاكرتنا الوطنية الوفية بما أنتجوه من نفائش ودرر جديرة بتقديم فهم عصري لها".
واعتبر المتحدث أنه، إذا كانت مدنية الأمم ورسوخ نهضتها لا تقاس بكثرة بنيانها بل بقدر اللافتات المضيئة التي يضعها المفكرون الوطنيون والمصلحون في طريق تطورها، وبدرجة منسوب الوعي الذي يشيدون به جهاز مناعة أبنائها في مواجهة تحديثات ظواهر التغريب والتقليد والتشكيك في الثوابت الهوياتية للمجتمع، "فإن العضو عبد الله كنون المؤمن بإرادة التحرر من كل آفات التبعية والاستيلاب كان من هؤلاء المفكرين الذين وضعوا لبنات مشعّة لمشروع نهضوي متميز قوامه تحصين الذات وترسيخ قيم الولاء للوطن والتراث والعقيدة".
وفي قلقه المنشغل بالجواب عن أسئلة "من نحن، ولماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم؟ وما هي مجالات التطور؟"، وفق لحجمري، كان العلامة الراحل يرى أن كل المجالات مسؤولة عما يعوق شروط التطور في المجتمع المغربي، منها السياسي والاجتماعي والثقافي، وبذلك جاء جمعا بصيغة المفرد، "فكان وطنيا وفقيها ومفكرا اسلاميا وعالما لغويا وناقدا وشاعرا، ومؤرخا أدبيا، ومحققا تراثيا، ومصلحا اجتمعايا ومعلما تربويا".
وأضاف لحجمري أن الراحل، بهذه الرؤية الشاملة، عمل على تعزيز الثقة في ذاتنا الثقافية وإبراز نبوغنا الذي لا يقل عن نبوغ غيرنا، معتبراً أن الاستقلال لا يعني التحرر الفكري من الهيمنة الاستعمارية فقط، "بل التحرر من القابلية للاستعمار، حيث حارب الوجوه الوطنية التي تحمل قلوبا استعمارية".
وخلص أمين السر الدائم لأكاديمية المملكة إلى أن العلامة عبد الله كنون "سيظل منارة متوهجة يجمع ما تفرق في غيره بالولاء الراسخ لدينه ووطنه وملكه وتراثه".
محمد كنون، رئيس مؤسسة عبد الله كنون للثقافة والبحث العلمي، من جهته، اعتبر في كلمته أن تكريم العلامة الراحل "هو استحضار لرجل سما في ثقافته إلى مستوى العالِم الواسع الضليع في علوم واختصاصات متعددة، فهو المفكر والمؤؤخ والأديب والناقد، الذي استطاع تكييف معلوماته لتواكب متطلبات عصره ومستجدات بيئته فعرف بالأدب المغربي وأبدع في الشعر والنثر".
كما أن عبد الله كنون، وفق المتحدث، لم يكن مجددا في الأدب فحسب، بل في الدراسات الإسلامية أيضا، حيث أغنى الفكر الإسلامي وفتح الباب أمام من جاؤوا بعده للسير على نهجه".
وركز المتحدث في مداخلته على جانبين في حياة وأثر العلامة الراحل وهما مساهمته في الحركة الوطنية، ومؤسسة عبد الله كنون ودورها في المحافظة على تراثه.
وفي الجانب الأول، استدل محمد كنون بمجموعة من رسائل حركات المقاومة بالمغرب، حيث ساهم في الدعاة وجمع التبرعات لعدد من حركات المقاومة العربية والإفريقية، كما أن المقاوم عبد الكريم الخطابي – وفق المتحدث دائما – كان يثق فيه وكلفه بمهمة استلام رسائله وتسليمها للمعنيين بها، مبديا استعداده من جهته بتقديم أي خدمات للراحل في مصر حيث كان يقيم.
وأضاف رئيس المؤسسة أن عبد الله كنون أسس كتلة العمل الوطني بطنجة، بناء على رسالة من الزعيم الراحل علال الفاسي في غشت 37، إضافة إلى تأسيسه لجمعية كان هدفها الرد على هجمات المبشرين، كما أنه رد بيعة عبد الله عرفة الشهيرة بفتوى مضادة مدعمة باقوال الفقهاء وعلماء السياسة كان لها صدىً قوي لأنها ترجمت إلى الفرنسية والإنجليزية.
وفيما يخص مؤسسة عبد الله كنون، فهي، وفق محمد كنون دائما، تتكفل بمهمة الإشراف على مكتبة عبد الله كنون ودار كنون للثقافة.
وبخصوص مكتبة عبد الله كنون، فقد تأسست سنة 1984 وهي في الأصل مكتبة شخصية كان يملكها وقام بتحبيسها حيث فتحت في وجه العموم سنة 1985، ولا زالت كذلك إلى اليوم، وكانت تضم عند افتتاحها 15000 عنوان إضافة إلى المجلات والدوريات والمخطوطات.
وأضاف أنه، في سنة 2005 وبعد توسع المكتبة وتنوع مجالات اهتمامها، قرر أعضاؤها تحويلها إلى مؤسسة، حيث أضيفت مخطوطات وكتب جديدة عن طريق الشراء والهدايا، لتصل الآن إلى 150000 عنوان، تنضاف إليها المخطوطات والمصوٍّات والجرائد وغيرها.
واستطرد المتحدث أن المؤسسة تشرف أيضا على طبع كتب وأبحاث، وكذا إصدار طبعات جديدة لعدد من مؤلفات العلامة الراحل عبد الله كنون، وكذا تنظيم جازة عبد الله كنون كل سنتين، مع الإشراف على دار كنون للثقافة.