لا يوجد شيء أغرب من ردود فعل المتعاطفين المتشددين مع طرف دون آخر، وقد كان ردود فعل أنصار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، عندما أعلنت تركيا عن التطبيع مع إسرائيل، واحداً من هذه الردود.
لقد ظل هؤلاء يطبلون ويزمرون لسنوات لأردوغان باعتباره الفاتح المنقذ الذي لا يعطي الدنيّة لإسرائيل، في نفس الوقت الذي ينصر فيه فلسطين (لا أحد يعلم كيف !)، في نفس الوقت الذي كانوا يكيلون فيه أقذع أنوع الشتائم لمن يسمونهم بالمطبّعين.
وكلما كان يلقي أردوغان واحدا من خطبه الحماسية التي تبقى مجرد كلام وفقاعات سرعان ما تنفجر دون أن تصل إلى مرحلة الفعل، كانت تتناثر التدوينات على مواقع التواصل وهي تهلّل للفاتح ولجرأته باعتباره الأمل الوحيد المتبقي للعالم العربي والإسلامي معا.
ثم جاءت اللحظة التي توقعها من هم حقا على دراية بكيفية إدارة الأمور سياسيا، الذين يعرفون أنه دائما وراء الأكمة ما وراءها، وأن المصالح هي السيد الأول والأخير لمعظم الدول، مهما تشدق حكامها ببعض الخطابات الشعبوية لهذا الغرض أو ذاك.
جاءت اللحظة وانتشرت الصورة التي صعقت معارضي وأنصار أردوغان على حد سواء، صورة الخيول وهي "تفتح" شوارع تركيا وفرسانها يحملون العلميْن: الإسرائيلي والتركي !
لقد كان أردوغان أجرأ من أنصاره وفعلها دون ذرة من تبرير أو حياء، وضرب سنوات من الجبروت الكلامي في لوغاريتم 1.. أي في الصفر !
لكن، هل يصمت أنصاره؟ هل يخجلون من تطبيلهم ودعمهمه السابق له؟
لا، أبدا. لقد خرجت التدوينات كلها، أو جلها، وهي تبرّر وتجد الأعذار لأردوغان، وتلفّ عنق الحقيقة ألف لفّة ولفّة: إنه على الأقل ليس عربيا... فلسطين قضية عربية.. أردوغان فعل ذلك من أجل مصلحة بلده... إلخ
عشرات الأعذار التي لم يطلبها منهم أحد بالمناسبة، حتى صاحب المبادرة نفسه. فجأة أصبحت فلسطين قضية عربية لدى البعض وليس إسلامية. فجأة أصبحت المصلحة الخاصة هي العليا وليس فلسطين.. وهلمّ جرّا.
لقد أثبتت واقعة تطبيع تركيا مع إسرائيل أن العاطفة، الممتزجة بالكثير من الحماقة، هي من تحرّك هؤلاء المدّعين للقومية، أو المتأسلمين، أو سمهم ما شئت، أما الحكمة والعقل... فاللّه يجيب !
على الأقل عندما تتعاطفون حاولوا أن تكونوا أهلا لهذا التعاطف، وامتلكوا الجرأة للاعتراف عندما تصدمون في رموزكم.. ومن يّوت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيرا.