يبدو أن عبد الإله بنكيران لم يستطع استيعاب الفجوة الزمنية التي تفصل سنتي 2011 و2022، ولم ينتبه إلى المياه الكثيرة التي مرت تحت الجسر خلال 11 سنة كاملة وازدادت 5 أشهر.
بنكيران خرج في واحدة من إطلالاته مؤخرا ليردد كلاماً، استمر لساعة ونصف تقريبا، كان يثير النفوس ويلهب الحناجر بالصراخ والتأييد فيما سبق، لكنه الآن أصبح مبتذلا، مكرورا، بدون مذاق.
ورغم خبرته السياسية الكبيرة جدا إلا أن بنكيران فشل فشلاً ذريعا في تجاوز هذه الفجوة الزمنية، معتقداً أن ترديد نفس الأسطوانة سيأتي أكله كل حينٍ … .
لا يدرك بنكيران، وربما يدرك لكن يتغافل، أن الخطاب الذي يمتح من المصطلحات الشعبوية عموما لم يعد مجديا إلى تلك الدرجة. وما كان بالأمس مؤثرا، وربما مضحكاً أحيانا، أصبح اليوم مُتجاوزا.
غياب عن الواقع السياسي
اللسان السليط لا يكون كافيا في كثير من الأحيان كي تكسر عظام الخصوم، وغياب المعلومات قد يجعلك أضحوكة بدل كونك بطلاً.
فيديو بنكيران المباشر الأخير أظهر أن معطيات كثيرة تغيب عن الرجل، فكيف برئيس حكومة سابق أن يقرّ بنفسه أنه يجهل من حرّك حملة المقاطعة، ومن وراء حملة "إرحل أخنوش".
طبعا، يمكن استنتاج ببساطة أن بنكيران عندما يسأل أسئلة كهذه، فهو لا يبحث عن أجوبة، إنما هدفه هو استغلال هذه الحملات - التي يجهل من يحركها – للعودة إلى رئاسة الحكومة، أو الحصول على مناصب له ولأنصاره من الحزب.
وسبق لبنكيران أن قام بنفس هذه الحيلة سابقا مع حركة 20 فبراير، وبعد أحداث 16 ماي الإرهابية، حيث ظل يتساءل ويتساءل، مستغلاّ ما تتركه الأسئلة من مساحات فارغة استطاع المرور عبرها نحو الكرسي/الحلم.. كرسي رئاسة الحكومة.
وهاهو يعود بنفس الأسلوب، وكأن الزمن متوقف عنده، وكأنه لم يمض 5 سنوات كرئيس حكومة، وكأن حزبه لم يترأسها لـ5 سنوات أخرى بعد ذلك.
الصحافة و"النكافات"
يصعب أن يفهم المتتبع كيف لشخص قضى 5 سنوات في رئاسة الحكومة ألا يفهم دور الصحافة. فبنكيران يقول أنه لا يفهم كيف تهاجم الصحافة الحكومة؟ وكأنه لا يعلم أن دور الصحافة هو انتقاد الحكومة، حتى لو قامت هذه الصحافة بالترويج للحزب الحاكم، أو أحزاب الأغلبية، قبل الانتخابات في إطار الحملة.
يستغرب بنكيران من مهاجمة الحكومة بشكل مبكر، لكنه لا يكف خلال خطابه عن التنقيب عن كل قراراتها التي يعتبرها خاطئة ولا يتفق معها.. فممّ يستغرب إذن إن كان يردد نفس ما قالته الصحافة وأكثر.
يستشف من خطاب "الزعيم" أن نظرته للصحافة طفولية، وأن كل من أشاد بالزعيم أو الحزب، فهو صحافي "تبارك الله عليه"، وكل من انتقدهما فهو نذل قام "ببيع الطرح".. فبأي منطق يتكلم؟
إنه نفس المنطق الذي جعله ينتقد بنموسى بسبب القرار القاضي بتخصيص مباريات التعليم لمن هم أقل من 30 سنة، ويدافع عن قانون "التعاقد". فالأول سيء لأنه لم يصدر عن بنكيران، والثاني عبقري لأن الزعيم موافق عليه !
بنكيران "المخلص"
في كل خطابات بنكيران لا بد أن يلمس المتابع لعبة "التواضع المتعالي"، فهو يجيد جيدا كيف يمدح نفسه، مازجاً ذلك بمسحة من التواضع، فقد قال خلال كلمته أنه "ماكايخويش" بالأصدقاء، وأتبع الجملة بلحظات صمت فهم منهم الحاضرون أن وقت التصفيق قد حان.
بنكيران، الذي أقر أنه لم يعد يزوره مؤخرا سوى قلة قليلة من قياديي حزبه، نسي على ما يبدو أنه أعلن قطع علاقته مع أقرب الأشخاص إليه، وذلك بطريقة رديئة صبيانية لا تليق أبدا، مستعملا أوراق الزبدة والشاي، وناشراً ذلك على مواقع التواصل (التي يحمد الله أنه يجهل عنها كل شيء !).
وسط كل هذا التشرذم الواضح، والهجران الذي ناله، يريد بنكيران ببساطة من خلال لسانه فقط أن يقنع المغاربة أنه لا زال قادرا على تسيير بلادهم وتقديم الخير لهم.
لقد نسي بنكيران أنه قال يوما للمغاربة "صوتو عليا وخليوني مني ليهم"، ونسي أنه نفى الأمر حين تسرب خبر تقاعده السمين لعلم المغاربة، مواصلا "تخريج عينيه" دون أن يرف له جفن، ليتضح لاحقا أن الأمر جملةً صحيح، أما "التخريجةّ هذه المرة التي وجدها بنكيران فهي أن مبلغ التقاعد هو 7 مليون سنتيم فقط وليس تسعة.
والحقيقة أن هذه الفضيحة وحدها تكفي أي شخص عادي كي يستحيي من الظهور تماما في المحافل العامة، بلهَ تصدر منابر الخطابة الحزبية وتبشير المغاربة بعودة مرتقبة تنتشلهم من الأوضاع المزرية.
فكيف يتصوّر عاقل أن حزبا لم يستطع تحمّل مصاريف حياة زعيمه السياسي والتاريخي، قادر على أن تامين حياة كريمة للمغاربة، بما يضم هذا الحزب من وزراء وسياسيين سابقين بتعويضات سمينة.
حبل التطبيع.. قصير
لم يفت بنكيران، الذي يلعب على كل الحبال، أن يلعب على حبل التطبيع، فقد هاجم من سماهم "المتصهينين"، ناسيا، بذاكرته الانتقائية والقصيرة جدا، أنه من دافع عن سعد الدين العثماني عند توقيع اتفاقية التطبيع مع إسرائيل، مهاجما تيار الإسلام السياسي في تونس والشرق الاوسط، متهما إياهم بقلة الفهم والحياء معا.
لا زال بنكيران إذن يدعي الفضيلة، ولا زال يتحدث عن "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، وعن المبادئ، معتبرا أن القضية الفلسطينية قضية دينية بالنسبة له قبل أن تكون قضية إنسانية وأنه مستعد للجهاد معهم.. ولو أننا حاكمناه حقا بما يقوله بلسانه، لكان السؤال المنطقي: ما الذي يمنعك من فعلها حقا، وأنت تعلم أن الله يمقت من يقولون ما لا يفعلون؟
لقد أثبت خطاب بنكيران الأخير بالواضح أن الرجل يعاني حقا بسبب فقدان المنصب فقط لا غير، وأنه مستعد لقول الكثير من أجل العودة إلى الكرسي الذي يشعر أنه انتزع منه غدرا، أما مصلحة المغاربة فالجميع يعلم أنها آخر ما قد يهم بنكيران.
بنكيران ينتقد مقال آخر ساعة ... لا أحد يحب النهايات!
بنكيران.. نهاية رجل.. كلاكيت ثاني مرة!
ومرة ثالثة أيضا...