بين توعّدٍ وانفعال وإجابات مستفزة، حمل لقاء أحمد الحليمي مع الصحافة مؤشرات واضحة على أن الرجل ينوء بالمهمة الموكولة إليه وقد بلغ من الكبر عتيا.
للرجل خبرة كبيرة جدا ويمكن الاستفادة منها ولا شك، وهو ما لا يختلف حوله اثنان، لكن أن يبقى على رأس المندوبية في سن الـ85، بكل ما للسن من أحكام، فهذا مرهق له، وفي غير صالح المندوبية السامية للتخطيط كمؤسسة هامة جدا وطنيا.
آثر الحليمي بدايةً أن يعتمد على الأساتذة، علماً أن حاملي الشهادات العاطلين في المغرب بالآلاف، ويمكن أن يقوموا بالمهمة خير قيام، خصوصا أن الأمر يسبقه تكوين مكثف يجعل من المشارك قادرا على القيام بالمهمة ما دام يتوفر على مستوى دراسي محترم.
حدث هذا في الوقت الذي تمتلك فيه المندوبية السامية للتخطيط ما يكفي من أرقام ومعطيات لتحيط بعدد المعطلين، وبإمكانية تأثير غياب الأساتذة مقارنة بعدد التلاميذ، وبما عرفته السنة الدراسية الفارطة من إضرابات للأساتذة، وهلمّ جرّا.
لا أحد يقلل من كفاءة الأساتذة ولا من قدرتهم على القيام بعملية الإحصاء على أكمل وجه، لكن المؤكد أن المعطلين كانوا أولى بهذه المهمة.
توعد الحليمي أيضا الممتنعين عن المشاركة في الإحصاء بالعقوبات القانونية، وعرّج على "أصحاب الفيلات" الذين يملكون كلاباً تخيف الباحثين وتمنعهم من دخولها، مهددا بفضح المتفلتين من المشاركة، وهو أمر غير قانوني البتة، إضافة إلى ما فيه من "نزع الوطنية" عن عدم المشاركين.
أيضا، أصدرت المندوبية أمراً وتوصية تقضي بكون كل شخص اشتغل ساعة واحدة خلال الأسبوع الذي يسبق إجراء استجواب الإحصاء، هو شخص "نشيط مشتغل"، وهو ما يجعل مصداقية معلومات الإحصاء على المحك فعلا.
انضاف إلى كل هذا، الصفقة المثيرة للجدل التي تجاوزت قيمتها 16 مليون درهم، وما أحاط بها من غموض وإلغاء للمناقصة، ثم رسوّها لاحقا على شركة بعينها، خصوصا في ظل التعديلات الجديدة على قانون الصفقات العمومية.
في الأخير، وخلال الندوة الصحافية للحليمي، بدا واضحا جدا أن أثر السنين قد فعل فعلته بالرجل، وأن الحلمَ لم يعد واحدا من ميزاته، وهذه طبيعة الحياة والبشر، والمندوب السامي للتخطيط ليس استثناءً، وبالتالي فتغييره لا ينقص من قيمته، بل يمنح فرصة للكفاءات الجديدة، ويضعه في مرتبته التي يستحق باعتباره رجلا خدم الوطن فعلا من موقعه، لكن وقت الترجّل عن الفرس قد حان.