بغض النظر عن الانتماء الجغرافي الذي يفرض نفسه، فإن العلاقات القوية والعريقة ومتعددة الأوجه التي تربط المغرب بأشقائه في القارة الإفريقية ظلت تتعزز على مر السنين، في السرّاء والضراء، بفضل الالتزام الراسخ للملك محمد السادس، والذي أساسُه شراكة مربحة للجميع من أجل تنمية شاملة ونمو مشترك.
ومنذ اعتلاء الملك محمد السادس عرش المملكة، ظل هذا التوجه والالتزام يتعزز سنة بعد سنة، باعتباره توجها أساسيا في السياسة الخارجية للمملكة.
الرؤية الملكية للتعاون الإفريقي، والتي تتناول قضايا القارة بصراحة وجدية وحرص، لم تكتفِ بمجرد التشخيص البسيط للمشاكل، وإنما عملت دوما على إيجاد سبل للتفكير وللحلول المبتكرة، من خلال جعل المغرب نموذجا في مجال تعزيز التعاون جنوب - جنوب، في هذه الظروف الدقيقة، حيث يكون نموذج المصالح هو المتحكم العلاقات الدولية.
إن الدستور المغربي الحالي (2011) يعطي دورا بارزا لهوية المغرب وتراثه الإفريقي ويؤكد على أسس الأمة المغربية المتجذرة في العمق الإفريقي، حيث يمثل عام 2017 تاريخ العودة المظفرة للمملكة إلى أسرتها المؤسساتية الاتحاد الإفريقي.
بل وحتى بعد انسحابها من منظمة الوحدة الإفريقية عام 1984، ظلت المملكة قريبة جدا من العديد من الدول الإفريقية، وخاصة إبان الظروف الصعبة كصديق مخلص وحليف.
إن تعزيز وتوطيد العلاقات مع إفريقيا جنوب الصحراء أصبح من أولويات السياسة الخارجية للمغرب، والتي تطورت نحو نهج تعاون جديد يقوم على تطوير الشراكات المثمرة للطرفين، وهو ما تؤكده الزيارات الملكية التي قام بها الملك محمد السادس إلى 26 دولة في جميع مناطق القارة الإفريقية، ومئات الاتفاقيات الموقعة في قطاعات متنوعة مثل التعليم والتنمية الفلاحية والاقتصاد والمالية والشؤون الدينية.
فعلى مستوى التضامن، بادرت المملكة، في أوقات صعبة، إلى تقديم الدعم لدول القارة، كما تدل على ذلك مبادرة الملك بإرسال مساعدات طبية إلى العديد من الدول الأفريقية الشقيقة، بينما كان فيروس كورونا (كوفيد -19) يحصد الأرواح في أنحاء القارة.
هذه المبادرة النبيلة، التي حظيت بالإشادة في أفريقيا وخارجها، تبرز بشكل واضح مستوى التضامن الفعال للمغرب، تجاه أفريقيا والأفارقة. وقد جسدت هذه الالتفاتة الإفريقية، نموذج التماسك القاري، كما أكد على ذلك العديد من كبار المسؤولين والمفوضين في الاتحاد الأفريقي.
كما أن الاستراتيجية الاقتصادية التي طورها المغرب تجاه القارة الأفريقية هي تجسيد للرؤية الملكية التي تدعو إلى التنمية المشتركة في إفريقيا في مختلف المجالات الرئيسية لمستقبلنا المشترك، من قبيل الأمن الغذائي والبنية التحتية والخدمات البنكية والمالية والطاقات المتجددة والنمو الأخضر.
وإلى جانب عدد من المبادرات الاقتصادية الهامة، تبقى السيادة الغذائية لقارة إفريقيا واحدة من انشغالات الملك تجاه أشقائه في الدول الإفريقية، لهذا أطلقت مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط عدة إجراءات وبرامج لفائدة الفلاحين عبر المساهمة في تطوير منظومات فلاحية مندمجة.
ويعمل المكتب على تحسين خصوبة وإنتاجية الأراضي الإفريقية من خلال عرض منتجات ملائم، وتأمين إنتاج مدخلات ذات جودة بالقرب من الأحواض الزراعية الرئيسية، وتعزيز القدرات اللوجستيكية الحالية والمساهمة في تطوير شبكات توزيع جديدة للقرب؛ وذلك في خدمة القطاع الفلاحي بأكمله.
وعلى الصعيد الأمني، تقوم المملكة بالكثير من الجهود في مجال مكافحة الإرهاب والحفاظ على الأمن، حيث تستضيف سنويا عملية “الأسد الأفريقي” ، وهي مناورات عسكرية مشتركة بين الولايات المتحدة والمغرب تعزز القدرات العسكرية المغربية، بينما يتلقى مئات الضباط من الجيوش الأفريقية سنويا تدريبات في المدارس العسكرية المغربية إلى جانب الضباط المغاربة.
أما على مستوى مشكلة الهجرة، فإن سياسة الهجرة واللجوء الجديدة المعتمدة في المملكة عام 2014 بتعليمات ملكية، جاءت انسجاما مع التزامات المغرب فيما يتعلق بحقوق الإنسان ووفقا لنهج يهدف إلى ضمان وصول المهاجرين إلى الحقوق والخدمات الأساسية، حيث أخذ المغرب، من خلال هذه السياسة المعترف بها عالميا، زمام الزعامة على مستوى الاتحاد الإفريقي في موضوع الهجرة.
ينضاف إلى كل هذا، الجوانب الثقافية والدينية، التي تظل أساس الدبلوماسية التي ينادي بها المغرب، في ضوء الروابط الروحية التي تقوم عليها علاقاته مع العديد من البلدان الأفريقية، وفضلا عن علاقات التعاون والشراكة والتضامن أيضا.
وبفضل هذا الزخم الملكي القوي، تتم الإشادة بمبادرات المملكة في إفريقيا، ومناطق أخرى، كنموذج بارز وواقعي وطموح للتعاون جنوب - جنوب، يضع كهدف أساسي له تنمية القارة ودول المنطقة وازدهار شعوبها.
ويبقى التزام المغرب تجاه إفريقيا، على جميع الأصعدة، التزاما عمليا، جادا، ينعكس على أرض الواقع من خلال مبادرات مثمرة ومنتجة لا ينفك يشيد بها قادة الدول الإفريقية وأكاديميوها ومحللوها الاقتصاديون.