أظهرت الأزمتان السابقتان للمغرب مع كل من إسبانيا وألمانيا أن ليّ ذراع المملكة صعب جدا فيما يخص القضية الوطنية، وأنه ربح مسافةً جديدة في الأزمتين، وصار في وضع شريك أفضل.
والآن، بعد أنت انتهت قمة "تيكاد 8" بتونس، وبعد أن جازف رئيسها قيس سعيد باستقبال زعيم الانفصاليين ابراهيم غالي، ستظهر تدريجيا ارتدادات الأزمة السلبية التي خلفها الحدث على تونس، وعلى أكثر من صعيد، خصوصا السياسي والاقتصادي/التجاري.
ترى أوساط سياسية تونسية أن أولى الخطوات لتخفيف وقع الحدث المتهوّر هو أن تتوقف الخارجية عن إصدار بيانات انفعالية لا تزيد سوى من تعقيد الموقف بدل حلّه، فالخطأ واضح في قضية مقدسة، والتبجّح لن يفيد تونس في شيء.
إن الوسيلة الوحيدة للعودة إلى طاولة الحوار والتفاهم، وفق المصادر ذاتها، هي التهدئة ثم العودة إلى الطريق الديبلوماسي الهادئ الذي يروم البناء بدل الهدم، والتوافق بدل التحدي.
ويعتبر مراقبون تونسيون أنه ليس من مصلحة تونس الذهاب نحو المزيد من العزلة إقليميا ودوليا، وقصر العلاقات الخارجية مع الجزائر، ما يعني أن الوساطة الوحيدة لتجاوز المشكلة ستكون وساطة فرنسية، وهي الأكثر جدوى في ظلّ غياب الدور الليبي والجزائري.
وحذرت المصادر ذاتها من مخاطر الانحياز في موضوع الصحراء، على أساس التضامن مع الجزائر بسبب الدعم الذي تقدمه لتونس في موضوع الغاز، لأن الجزائر لديها حساباتها الخاصة، وعلى تونس أن تقيس الأمور، أيضا، بمصالحها الإستراتيجية وليس من خلال ربطها بحدث محدود في الزمان أو بمجرد موقف عابر.
خسائر على الصعيد التجاري
يفيد تقرير لمكتب الصرف حول التجارة الخارجية سنة 2021 أن المغرب يستورد من تونس ما قيمته 228 مليار سنتيم، بينما لم تستورد تونس سوى مايقارب 129 مليار سنتيم .
وفي سنة 2019، استورد المغرب حوالي 33 ألف طن من التمور التونسية، أي بنسبة 13% من مجموع صادراتها السنوية.
على صعيد آخر، وفيما يخص اتفاقية أكادير للتبادل الحر، قد تتأثر تونس كثيرا في حالة اتخذ المغرب موقفا سلبيا بما لديه حاليا من علاقات مميزة مع شركاء أوروبيين كإسبانيا وألمانيا.
واتفاقية أكادير هي اتفاقية للتبادل الحر انطلقت فعليا سنة 2007 تجمع كلا من المغرب وتونس ومصر والأردن، ثمّ لبنان وفلسطين (2020)، وتهدف إلى زيادة التبادل التجاري بين الدول الموقعة عليها من جهة، والاتحاد الأوربي من جهة أخرى.
كما تهدف الاتفاقية إلى زيادة التكامل الاقتصادي بين الدول المعنية (خصوصا التكامل الصناعي) من خلال تطبيق قواعد المنشأ الأورومتوسطية، وجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة.
وتقضي الاتفاقية بمنح إعفاء كامل من الرسوم والضرائب الجمركية في مجالات صناعية وزراعية مختلفة بشروط محددة سلفاً.
وعموما، فإن الحديث عن اتفاقية أكادير يجر بالضرورة إلى الحديث عن اتفاقية التبادل الحر مع تونس، والتي ستكون إعادة النظر فيها تحصيل حاصل في حالة قرر المغرب إعادة النظر في اتفاقية أكادير.
وبالنظر للأرقام سالفة الذكر، فإن تونس، في كل الحالات، تبقى الخاسر الأكبر في الأزمة ما لم يستمع سياسيوها وقادتها إلى صوت العقل والحكمة، خصوصا في قضية الصحراء التي تبقى قضية مقدسة في المغرب من أعلى هرم السلطة في الدولة إلى أبسط مواطن، ويكفي أن نعلم أن نشطاء مغاربة أطلقوا حملة بالفعل من أجل مقاطعة البضائع التونسية.. فالاقتراب من قضية الصحراء هو فعلا لعب بالنار بالنسبة لمن يفترض أنهم شركاء وأشقاء للملكة المغربية.