يعتمد النظام التعليمي في المغرب على الطريقة التقليدية بما فيها من تلقين وتلقي واستظهار، إضافة إلى الامتحانات والاختبارات التي تنتهي بنجاح أو رسوب.
وقد سار المغرب على هذا النهج منذ الاستقلال، مع بعض التغييرات الطفيفة في عدد ساعات الدراسة الأسبوعية، أو طريقة تقسيم هذه الساعات.
كما عرف النظام بعض التغيير على مستوى المواد التي يتم تدريسها ابتداءً من الابتدائي، حيث تم إضافة العديد من المواد والتفرّعات.
ضغط على التلاميذ والمدرسين وأولياء الأمور
من المؤكد أن الطريقة الحالية تشكل ضغطا كبيرا سواء على المدرسين والمتمدرسين وأولياء أمورهم، فالدراسة لا تنتهي بانتهاء ساعاتها داخل المؤسسة التعليمية، بل تتواصل في البيت أيضا، وبوتيرة عالية.
وبدل أن يحظى التلميذ بساعات الدفء الأسرية، والأحاديث الجانبية، التي تحببه في البيت من جهة، وتمنحه الاشتياق للمؤسسة التعليمية أيضا، لتغيير الأجواء، وخلق التنوع.
تشكل الفروض المنزلية ضغطا كبيرا جدا على أولياء الأمور إلى درجة تصل مع أغلب الآباء إلى إنجاز التمارين بأنفسهم، تقليصاً لساعات الضغط.
وبعد ساعات مرهقة للتلميذ والمدرّس، يعود الاثنان معاً لمراجعة ما تم إنجازه، والاستعداد للغد أو للأسبوع القادم، بكمية مهام ثقيلة ومتراكمة تكاد لا تنتهي.
إن النتيجة النفسية الحتمية لطريقة كهذه هي الضغط والإرهاق والتوتر، ما ينتج عنه مدرسون غير قادرين على العطاء والتأقلم مع أجواء القسم، بما فيها من ضجيج وشقاوة، وعدد كبير للتلاميذ.
كما ينتج عنه تلميذ لا يهمه شيء سوى أن يمارس "الاسترجاع" الفكري لما درسه، من أجل الحصول على نقطة النجاح أو التفوق، وهكذا دواليك إلى أن يصل إلى مرحلة الثانوية العامة، ونجد أمامنا، في الغالب، طالبا مفرغا تماما ولا يملك من الرصيد المعرفي والحياتي الشيء الكثير.
إن الاختبارات في المغرب لا تعتمد أبدا على المساءلة الذكية، بل على قدرة الطالب على الاستظهار، باستثناء مواد قليلة تحتاج منه بعض الذكاء.
التعليم الفنلندي.. المساءلة الذكية
من المؤكد أن واحداً من أفضل نماذج التعليم حاليا، وفق تقييم البنك الدولي، هو الخاص بفنلندا، وهي بلد لم يتبع الكثير من المبادئ العالمية لإصلاح التعليم، فلا توجد اختبارات قياسية موحدة أو عمليات تفتيش على المدارس، لكن نظام التعليم يعتمد على المساءلة "الذكية".
وتعني المساءلة الذكية أنه، في حين توجد معايير وطنية لجودة التعليم والتدريس في شكل مناهج أساسية وقوانين وقواعد وطنية، فإن النظام التعليمي لا يصنف المدارس على أساس نتائج الاختبارات.
ومع ذلك، فالتقييم الذاتي للمدارس ومقدمي الخدمة التعليمية موجود ويطبق بانتظام.
تعطي سياسة التعليم في فنلندا أهمية أكبر للجودة وأهمية أقل للرقابة والمنافسة، فالمدارس والمدرسون والسلطات المحلية محل ثقة، وهناك توافق سياسي في الآراء بشأن أهداف التعليم المتفق عليها عموما.
یستخدم المعلمون الفنلنديون أساليب مختلفة لتناسب الاحتياجات التعليمية لكل طالب، فمدرسو المدارس الابتدائية ليسوا وحدهم، لكنهم يتلقون مساندة من متخصصين آخرين (مثل مدرسي التعليم الخاص، وعلماء النفس، وفريق إدارة المدرسة) في تحديد نوع الدعم الذي قد يحتاجه الطالب.
وتعرف فنلندا بأقل ساعات تعليم في الأسبوع، وهو طبعا ليس تعليما تلقينيا مباشرا، بل هناك في كل سنة تقريبا طرقا ووسائل جديدة.
لكن، هل وصلت فنلندا لكل هذا بالعمل الفردي؟
إن الرؤية الموحدة هامة جدا للنهوض بالتعليم في أي بلد، ففي فنلندا تشارك مختلف الجهات الفاعلة مثل أعضاء البرلمان وسلطات التعليم على جميع المستويات ومديري المدارس والمدرسين وغيرهم من الموظفين العاملين في المدارس وأولياء الأمور والطلبة وأعضاء المجتمع المحلي، وتلعب دورا في تنفيذ الرؤى المقترحة من طرفهم.
النموذج الفنلندي.. هل يصلح في المغرب؟
يصعب جدا أن يتم استيراد منظومة بلد آخر وإسقاطها مباشرة، فلكل مجتمع خصوصيته وإكراهاته، لكن من المؤكد أنه يمكن أخذ الكثير جدا من التوجهات التي يعتمدها التعليم في فنلندا، كالمساءلة الذكية، وتخفيف ساعات الدراسة، وإلغاء الاختبارات (جزئيا)، وإلغاء الواجبات المدرسية.
إن الهدف عموما من التعليم هو "التعليم" فعلا، ولكي يتحقق ذلك، لا بد من التفكير في المتلقي أولا وأخيرا.