بقدر ما تشكل التساقطات المطرية الأولى في كل عام، وخاصة هذا العام، أملاً للمزارعين والفلاحين، بقدر ما تترك في نفوس ساكني المدن، خصوصا، إحباطا بعد أن تغرق الفيضانات مجموعة من الشوارع وتتسبب في ألم وخسائر لعدد من الأسر.
فتقلبات الطقس في السنوات الأخيرة لم تعد تأتي بالتدرج، بل بشكل مفاجئ، فمن حرارة شديدة متواصلة إلى مقاييس أمطار مرتفعة وهامة تتسبب بسيول وفيضانات، وهو ما صار يعرف بـ"الطقس المتطرف".
وعليه، فقد عرفت الكثير من مناطق المملكة تساقطات مطرية مهمة خلال الأيام القليلة الماضية، كان على رأسها، حسب مقاييس المديرية العامة للأرصاد الجوية خلال آخر 24 ساعة، إفران بـ28 ملمترا ثم فاس بــ27 ملمترا، و22 ملمتر بوجدة.
فمن جهة، ووفق معطيات وزارة التجهيز والماء، عرفت حقينة السدود انتعاشة لا بأس بها، حيث بلغت النسبة الإجمالية لملء السدود الرئيسية بالمملكة إلى غاية 12 أكتوبر 2022، نسبة 24,3 بالمائة، بحجم ملء يفوق 3.91 مليار متر مكعب، فيما بلغت نسبة الملء خلال الفترة ذاتها من السنة الماضية 37,2 بالمائة، بحجم ملء ناهز 5.9 مليار متر مكعب.
وهي عموما معطيات مثيرة للأمل في ظل أزمة المياه وندرتها التي تعيشها المملكة، والتي تنذر بما هو أسوأ في حالة طول أمد فترة الجفاف.
كما أن هذه التساقطات حفزت مجموعة من الفلاحين إلى الشروع فعلا في إعداد أراضيهم لموسم الحرث، حيث تعرف هذه المرحلة الشروع في عملية زرع الحبوب الخريفية ابتداء من الأيام الأخيرة لشهر أكتوبر الجاري، خصوصا نوعي الشعير والخرطال، لتتم بعدها عملية زرع كل من القمح الطري والقمح الصلب، والتي قد تمتد إلى بداية شهر دجنبر.
على صعيد آخر، وفي مدينة فاس خصوصا، حاصرت المياه عددا من الأحياء، وأغرقت التساقطات أغلب الشوارع، رغم أن الكمية تبقى معتدلة وغير "متطرفة" لحد الآن.
ووفق متخصصين فإن أمطار هذه الفترة، المسببة للفيضانات، تأتي بعد صيف شديد الحرارة تسبب في جفاف شديد، وهو ما يعرف بـ"تأثير التربة المتصلبة"، حيث يتسبب الجفاف الشديد في تحويل جزيئات التربة لتكون "طاردة للماء"، وبالتالي عندما يحدث هطول شديد للأمطار بعد موسم جفاف لا تكون التربة قادرة على استيعاب كميات المياه الكبيرة، فيؤدي ذلك إلى السيول والفيضانات.
ووفق الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخIPCC في تقريرها الأخير الصادر في فبراير من العام الحالي، فإن منطقة المغرب العربي تعد من البقاع الساخنة والأكثر عرضة لتغير المناخ، وظواهره المتطرفة من فيضانات، وجفاف، وموجات حرارة، وحرائق غابات؛ وهو ما يجعل دول هذه المنطقة من بين الأكثر احتياجاً لتمويل برامج "التكيف المناخي".
لهذا، فإن الجهات المسؤولة مطالبة بالموازنة بين الترحيب بهذا الطقس المتطرف، لكن مع الانتباه إلى ما قد يخلفه على صعيد المدن من فيضانات وسيول قد تسبب في كثير من الأحيان خسائر بشرية، على غرار ما حدث في مصنع طنجة السري والذي أودى بحياة 28 عاملا وعاملة.