الماء، هذا السائل المكون من ذرتي هيدروجين وذرة أوكسيجين، هو سر الحياة. وبدونه لا يمكن أن تقوم قائمة لأي إنسان، ولأي شعب أو أمة.
وتبذل كل الدول، وفقَ قدراتها، جهودا متباينة، من أجل تأمين رصيدها من هذه المادة الحيوية، وأخذ الاحتياط استعداداً للأسوأ، دون أن إغفال التوقعات الأكثر تشاؤما والتي ظلت مجرد تعبير إعلامي بشكل عام وهي "حروب المياه".
وفي ظل التغيرات المناخية الحادة التي يشهدها العالم، يبقى المغرب من الدول التي طالتها ظاهرة الجفاف الحاد في السنوات الأخيرة، واستنزفت الكثير من مواردها المائية.
بالمقابل، قد يكون المغرب واحداً من أفضل الدول في المنطقة، التي عملت على مدى عقود من أجل تجنب أسوأ السيناريوهات، حيث بدأ الأمر سنة 1967، عندما أحدث الملك الراحل الحسن الثاني سياسة السدود، والتي أحدثت ثورة في تدبير الموارد المائية عبر تعبئة 1 مليار متر مكعب في مختلف جهات المملكة.
وكانت هذه السياسة الإرادية قد وضعت نصب أعينها هدف سقي 1 مليون هكتار في أفق سنة 2000، الشيء الذي تحقق سريعا وأعطى ثماره من خلال نمو عدد من القطاعات، لاسيما القطاع الفلاحي، عصب الاقتصاد المغربي.
وقد تحقق هذا الهدف فعلا سنة 1997، بعد تدشين سد الوحدة الذي خول تحقيق تطور كبير في الإنتاج الفلاحي في جهة الغرب، ومكن من تقليص الخسائر الناتجة عن الفيضانات، فضلا عن تثمين الطاقة الكهرومائية.
ويهدف المغرب اليوم إلى بلوغ قدرة تخزين تبلغ 30 مليار متر مكعب من مياه الأمطار في السنوات القادمة والانتقال إلى 170 سدا في غضون 2030.
وفي ظل عهد الملك محمد السادس، تواصلت الرؤية الاستشرافية للمملكة، بنفَسٍ استباقي يحاول ما أمكن أن يربح مسافات أمام المشكلة قبل أن تحدث فعلا.
وبالتالي واصل الملك محمد السادس سياسة والده، حيث قامت المملكة بإنجاز أكثر من 50 سدا، منها الكبرى والمتوسطة، إضافة إلى 20 سدا في طور الإنجاز.
وقد أكد الملك، في خطابه خلال افتتاح البرلمان، يوم 14 أكتوبر، أنه، كيفما كان حجم التساقطات، خلال السنوات المقبلة، "فإننا حريصون على تسريع إنجاز المشاريع، التي يتضمنها هذا البرنامج، في كل جهات ومناطق المملكة".
وقد خصّ بالذكر استكمال بناء السدود المبرمجة، وشبكات الربط المائي البيني، ومحطات تحلية مياه البحر، بالإضافة إلى تعزيز التوجه الهادف للاقتصاد في استخدام الماء، لاسيما في مجال الري.
وتوحي آخر أرقام لحقينة السدود، بتاريخ 15 أكتوبر 2022 (الصورة)، أن هناك تحسنا في الكميات المتوفرة بعد التساقطات الأخيرة التي شهدها المغرب بداية أكتوبر، لكنها تبقى غير كافية.
ومع ذلك فإن الأمل يبقى كبيرا في موسم أمطار جيد يمنح المغرب أريحية أكبر في الاستعداد مستقبلا لمجابهة هذا الإشكال المصيري، في ظل سياسة لا تبخل بأي جهود من أجل تأمين هذه المادة الحيوية.