لم تعُد رياضة كرة القدم مجرّدَ لعبةٍ للفرجة والاستمتاع والشغف، بل أصبحت، منذ عقودٍ خلتْ، وسيلة تواصلٍ في حدّ ذاتها، بعد أن غزت العالم بكل حمولتها وصار لديها عشّاق بالملايين من مختلف التوجّهات والمشارب.
هذا التطوّر للعبة، رافقه تطوّر موازٍ على صعيد المصطلحات المستعملة من أجل توصيف كل ما يتعلق بها، لدى جمهورها، وكذا الباحثين والمدرسين والرياضيين.
وعليه، كان لا بدّ لهذا التنوع، الدّالِّ على الغنى والثراء، من أداة معجمية متخصصة موحدة وحديثة يفترض أن تلعبَ دورا بالغ الأهمية على مستوى التعريف بأهم المصطلحات وأكثرها تداولا بين المهتمين والمتخصصين.
ووعياً منها بأهمية هذا المجال الرياضي، أعلنت أكاديمية المملكة المغربية والهيئة الأكاديمية العليا للترجمة، بالتعاون مع مكتب تنسيق التعريب التابع للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (ألكسو)، عن إصدار "المعجم الموحد لمصطلحات كرة القدم".
وفي لقاءٍ خُصِّصَ لتقديم المعجم، نظم يوم السبت 10 ديسمبر 2022 بمقر الأكاديمية، قال عبد الفتاح الحجمري، مدير مكتب تنسيق التعريب، إن إصدار المعجم يتزامن مع تنظيم منافسات كأس العالم (مونديال قطر 2022)، "الذي له مكاسب ثقافية وإنسانية تعزز مشاعر الأخوة والتضامن والتنافس الشريف".
وأضاف الحجمري أن الرياضة لها أبعاد فكرية وفلسفية، وليست مجرد نشاط يلبي حاجات جسدية أو ذهنية، بل صارت تنظيما مؤسسيا يمتلك أبعادا اجتماعية وسياسية، كما أنها ارتبطت ببعض الطقوس الدينية لدى الحضارات القديمة.
90 دقيقة في كرة القدم، وفق الحجمري، "هي فسحة زمينة قصيرة، لكنها مليئة بمشاعر متناقضة من الفرح والغضب والتوتر.. دقائق قادرة على توحيد مشارق الأرض ومغاربها".
كما تناول المتحدث ما جاء في كتاب "الحقيقة والمنهج" للفيلسوف الألماني هانز جورج غادامير، الذي خصص فصلا عمليا لمفهوم اللعب باعتباره تفسيرا وجوديا رئيسيا في فهم علم الجمال، وفق تصوّره، حيث ربط مفهوم الللعب بمفهوم الجدية من جهة، وبمفهوم أرسطو "اللعب من أجل الاستمتاع" من جهة أخرى.
بالنسبة لأمين السر الدائم للأكاديمية، عبد الجليل لحجمري، فإن اللعبة التي يمارسها أكثر من 250 مليون لاعب في أكثر من 100 دولة، والأكثر شعبية، حتّمت إصدار المعجم، المندرج أيضا ضمن تحقيق الأهداف الإنمائية لألفية غير مسبوقة، تمثل الرياضة ضمنها فرصة نادرة لإلهام تحرك عالمي لتحقيق التنمية والسلام، "كما أن إصداره يغني الحقل المعجمي الرياضي بإيجاد المقابل العربي لأهم المصطلحات المتداولة دوليا".
يرى لحجمري أن كرة القدم يجب أن تلعب دورا اجتماعيا ثقافيا، من أجل خلق السلام والعدالة والصحة في العالم، فالكرة على صغر حجمها تعادل حجم الكرة الأرضية، "ففيها الإبداع والأداء، ما يجعل منها قيمة إنسانية سحرية رومانسية دراماتيكية عابرة للحدود والقارات".
واستحضر المتحدث في ذات السياق، ما قاله الملك محمد السادس في رسالة المناظرة الوطنية للرياضة سنة 2013 "تشكل الرياضة رافعة للتنمية البشرية والاندماج ومحاربة الإقصاء والحرمان والتهميش.. هدفنا إحياء الممارسة في مدننا وقرانا وأحيائنا، خاصة الشعبية، باعتباها المعين والمنبت المعطاء لكبار أبطالنا ممن مارسوا الرياضة بالقدم الحافي والعفوية والتلقائية، وكان يكفيهم حمل القميص ورفع راية المغرب خفاقة في الملتقيات الدولية".
وأضاف أمين سر الأكاديمية أن الرياضة هي مصنع العقلاء كما يقال، مضيفا أن أكاديمية محمد السادس لكرة القدم "مصنع للاعبين تضعنا على طريق العالمية، لأن الرياضة أفق للتفكير في المستقبل وموازينه الآنية والآتية، فكرة القدم إعادة تشكيل حياتنا من خلال علامات ورموز باختراق الحدود".
وشهد اللقاء تقديم عرض مرئي من طرف المهندس إدريس قاسمي، والأستاذة لينا إدريس ملولي، باللغتين العربية والفرنسية، تم خلاله استعراض خلفية ومراحل إنجاز المعجم، بدءاً من التصور والإعداد، مروراً بالتحيين والمراجعة، وانتهاءً باستعراض مجموعة من الأرقام الخاصة بالمعجم والفئات المستهدفة منه.
ووفق التقديم، فإن المعجم هو جزء من مشروع أكبر وهو معجم المصطلحات الرياضية، والذي اعتُمد في الخرطوم بمؤتمر التعريب الذي عقد في 2013، ويضم 13 ألف مدخل، وذلك بطلب من اللجنة العلمية للاتحاد العربي للتربية البدنية والرياضة المدرسية في الكويت.
وقد تم إعداد المعجم سالف الذكر من طرف نخبة من الخبراء من دول عربية مختلفة باعتماد معجم المصطلحات الرياضية العربية سنة 1989 عن مكتب تنسيق التعريب، بإشراف المكتب ذاته وبتنسيق مع إدارة التربية والاتحاد الغربي للتربية البدنية والرياضة المدرسية.
وقد تم تحيينه بناءً على كتب وتقارير أصدرتها الفيفا مؤخرا، كما تم تحيين ما استخرج من معجم المصطلحات الرياضية من خلال التدقيق والتصحيح قبل إضافة تعريفات دقيقة ومقتضبة.
وركز المعجم الموحد لمصطلحات كرة القدم على معيارين أساسين وهما الدقة العلمية، وسهولة الاستعمال، حيث روعي في ضبط المفاهيم المزاوَجة بين البعد الدولي والعربي، والاستفادة من العديد من المصادر والمراجع والتقارير الدولية.
كما ضمّ المعجم 906 مصطلحا ثلاثي اللغة و870 من المداخل مشفوعة بتعاريف دقيقة، في حين تم توحيد 100% من المصطلحات بعد عرضها على الجلسة العامة لمؤتمر الخرطوم.
يذكر أن المعجم يستهدف الباحثين في ميدان التربية البدنية والرياضة ومعلمي التربية البدنية والرياضة المدرسية والتقنيين في ميدان كرة القدم، إضافة إلى الحكام، كل في اختصاصه، وكذا الطلبة في المعاهد العليا لتكوين معلمي التربية البدنية والرياضة والصحافيين الرياضيين.